فصل: الجملة الثانية في مكاتبة صاحب الغرب الأوسط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الجملة الثانية في مكاتبة صاحب الغرب الأوسط

وهو صاحب تلمسان وقد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك الكلام على هذه المملكة ومن ملكها جاهلية وإسلاماً وهي الآن بيد عبد الواد من زناتة من قبائل البربر - والقائم بها الآن منهم إلى حدود الثمانمائة من الهجرة هو السلطان أبو زيان ابن السلطان أبي حمو‏:‏ موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى ابن يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمد بن ركدار بن تبدوكس بن طاع الله بن علي بن القاسم بن عبد الواد‏.‏

قلـت‏:‏ وذكـر هـذه المملكـة فـي ‏"‏ مسالـك الأبصـار ‏"‏ مضافـة إلـى مملكـة فاس‏:‏ فانضمامها حينئذ إليها فـي مملكـة السلطـان أبـي الحسـن المرينـي‏:‏ صاحـب فـاس فـي زمانه ولذلك لم يذكر لصاحبها مكاتبة في ‏"‏ التعريـف ‏"‏‏.‏

علـى أنـي رأيـت مـن صاحبهـا موسـى بـن يغمراسـن مكاتبـة إلـى الناصـر ‏"‏ محمـد بـن قلاوون ‏"‏ صاحب مصر‏.‏

وسيأتي إيرادها في جملة المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة‏.‏

وذكر صاحب ‏"‏ التثقيف ‏"‏ أن صاحبها في زمانـه فـي الدولـة الأشرفيـة ‏"‏ شعبـان بـن حسيـن ‏"‏ أي سلطانهـا يومئذ أبو حفص عمر بن أبي عمران موسى وأن المكاتبة إليه مثل المكاتبة إلى صاحب تونس المقدم ذكره على السواء‏.‏

وذكر أنه كتب ذلك إليه ورأى جماعة كتاب الإنشاء يكتبونه وكذلك رأيته في الدستور المنسوب إلى المقر العلائي بن فضل الله ولم أظفر بصورة مكاتبة فأذكرها‏.‏

الجملة الثالثة في المكاتبة إلى صاحب الغرب الأقصى وهو صاحب فاس وتعرف مملكت ببر العدوة‏.‏

وقد تقدم الكلام على مملكتها وأحوالها ومن ملكها جاهلية وإسلاماً في المقالة الثانية في الكلام على المسالك والممالك وأنها الآن بيد بني عبـد الحـق مـن بنـي مريـن مـن زناتة من قبائل البربر وأنها الآن بيد السلطان أبي فارس عثمان ابن السلطان أبي العباس أحمد ابن السلطان أبي سالم إبراهيم ابن السلطان أبي الحسن علي ابن السلطان أبي سعيد عثمان ابن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن أبي بكـر بـن حمامـة بـن محمـد بـن ورصيـص بـن فكـوس بـن كومـاط بـن مريـن بـن ورتاجن بن ماخـوخ بـن وحريـج بـن قاتـن بـن بـدر بـن نجفـت بـن عبـد اللـه بـن ورتبيـص بـن المعز بن إبراهيم بن رجيك بن واشين بن بصلتن بن شرا بن أكيا بن ورشيك بن أديدت بن جانا وهو زناتة‏.‏

وقـد ذكـر فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أن السلطنة فيهم في زمانه في الدولة الناصرية ‏"‏ محمد بن قلاوون ‏"‏ صاحـب مصـر كانـت فـي السلطـان أبـي الحسـن علي بن عثمان المقدم ذكره‏.‏

ثم قال‏:‏ وورث هذا السلطان ملك العزفيين بسبته وملك بني عبد الواد بتلمسان وأطاعه ملك الأندلس ودان له ملك أفريقية وعرض عليه ابنته فتزوجها فساقها إليه سوق الأمة‏.‏

ثم قال‏:‏ وبنو مرين رجال الوغى وناسها وأبطال الحرب وأحلاسها وهم يفخرون بغزارة علمه وفضل تقواه‏.‏

قال‏:‏ وهو ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في ‏"‏ التثقيف ‏"‏ بعد البسملة‏:‏ من السلطان الأعظم الملك الفلاني إلى آخر الألقاب المذكورة في المكاتبة لصاحب تونس إلى قوله ونصر جيوشه وجنوده وأعوانه‏.‏

ثم يقول‏:‏ تحية يفتتح بها الخطاب ويقدم منها ما زكـا وطـاب وتقـال هنـا سجعـات مختصـرة نحـو أربـع أو خمـس يخـص بهـا الحضـرة الشريفة العلية الطاهـرة الزكيـة حضرة المقام العالي السلطان السيد الأجل العالم العادل المجاهد المرابط المثاغر المؤيد المظفر المنصور الأسرى الأسنى الزكي الأتقى ‏"‏ المجاهد في الله ‏"‏ المؤيد على أعـداء اللـه أميـر المسلميـن قائـد الموحديـن مجهـز الغـزاة والمجاهديـن مجنـد الجنـود عاقـد البنود مالـئ صـدور البـراري والبحـار مزعـزع أسـرة الكفـار مؤيد السنة معز الملة شرف الملوك والسلاطيـن بقيـة السلـف الكريـم والحسـب الصميـم ربيـب الملـك القديـم أبـي فلـان فلـان بـن فلـان‏.‏

ويرفـع نسبه إلى عبد الحق وهو أول نسبه‏.‏

ويقال في كل منهم‏:‏ أمير المسلمين أبي فلان فلان ثم يدعى له‏:‏ نحو أعز الله أنصاره أو سلطانه أو غير ذلك من الأدعية الملوكية بدعاء مطول مفخم‏.‏

ثم يقال‏:‏ أما بعد حمده الله ويخطب خطبة مختصرة‏.‏

ثم يقال‏:‏ أصدرت إليه وسيرت لتعرض عليه لتهدي إليه من السلام كذا وكذا‏.‏

ثم يقال‏:‏ ومما تبديه كذا وكذا‏.‏

صدر‏:‏ يليق بهذه المكاتبة - تهدي إليه من السلام ما يطلع عليـه نهـاره المشـرق مـن مشرقـه ويحييه به الهلال الطالع من جانبه الغربي على أفقه وتصـف شـواٌ أقـام بيـن جفنيـه والكـرى والحـرب ووداداً يمـلأ برسلـه كـل بحر ويأتي بكل ضرب وثناء يستروح بنسيمه وإن كان لا يستروح إلا بما يهب من الغرب مقدمة شكراً لما يبهر من عزماته التي أعزت الديـن وغـزت الملحديـن وحلقت على من جاورها من الكفار ‏"‏ تحليق ‏"‏ صقور الرجال على مسفة الغربان وتقيم عند الشجـاع عـذر الجبـان وتبيـن آثارهـا فـي أعنـاق الأعـداء وللسيـوف آثار بيان وإن كان فعله أكثر مما طارت به الأخبار وطافت به مخلقات البشائر في الأقطار وسار به الحجيج تعـرف آثـاره عرفات وصارت تستعلم أخباره وتندب قبل زمانه ما فات‏.‏

والذي ذكره في ‏"‏ التثقيف ‏"‏ أنه كـان السلطـان فـي زمانـه فـي الدولـة الأشرفيـة ‏"‏ شعبـان بـن حسيـن بـن محمد بن قلاوون ‏"‏ عبد العزيز بن أبي الحسن علي المقدم ذكره وذكر أن المكاتبة إليه في قطع النصـف وأنـه يكتـب تحـت البسملـة فـي الجانـب الأيمـن مـن غيـر بيـاض مـا مثالـه ‏"‏ عبـد اللـه ووليـه ‏"‏ ثم يخلـى بيـت العلامـة ثـم تكتـب الألقـاب السلطانيـة فـي أول السطـر مسامتـاً للبسملـة ‏"‏ السلطان الأعظم الملك الفلاني ‏"‏ إلى آخر الألقاب السلطانية المذكورة في المكاتبة إلى صاحب تونس إلى قوله‏:‏ ونصر جيوشه وأعوانه‏.‏

ثم يقول‏:‏ تخـص المقـام العالـي السلطـان الملـك الأجـل الكبيـر المجاهـد المعاضد المرابط المثاغر المكرم المعظم المظفر الموقر المؤيد المسدد الأسعد الأصعـد الأرشـد الأنجـد الأوحـد الأمجـد البهـي الزكـي السنـي السـري فلان أمير المسلمين ابن أبي فلان فلان إلى عبد الحق المريني‏.‏

والدعاء بما يناسب ذلك المقام ثم أما بعد حمد الله بخطبة لطيفة فإنا نفاوض علمه الكريم ونحو ذلك‏.‏

وأكثر مخاطبته بالإخاء وتختم بالدعـاء والعلامـة ‏"‏ أخوه ‏"‏ وتعريفه ‏"‏ ملك الغرب ‏"‏‏.‏

وفي الدستـور العلائـي أن الطلـب منـه بالمستمـد ويختـم باستعـراض الحوائج والخدم مكملاً بالدعاء‏.‏

وهـذه نسخة كتاب من الملك الناصر ‏"‏ محمد بن قلاوون ‏"‏ إلى السلطان أبي الحسن المريني في جواب كتاب ورد عليه منه وهي‏:‏ عبد الله ووليه السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والديـن سلطـان الإسلـام والمسلميـن محيـي العـدل فـي العالمين مؤمن أولياء الله المؤمنين ظل الله الممدود وميسر السبل للوفود حامي القبلتين بحسامه من أهل الجحود وخادم الحرمين الشريفين متبعاً للسنة الإبراهيمة في تطهير بيت الله للطائفيـن والعاكفيـن والركـع والسجـود والقائـم بمصالـح أشرف روضة وطيبه يعطر طيبها في الوجود ولي أمير المؤمنين جمع الله به كلمة الإسلام بعد الافتراق وقمع برعبه أهل العنـاد والشقـاق وأوزعـه شكـر نعـم اللـه التـي ألفـت علـى ولائـه قلـوب ملـوك الآفـاق وأمتعـه بها منحة صيرت له الملك بالإرث والاستحقاق وسيرت كواكب مناقبـه فلهـا بالمغـارب إضـاءة وبالمشـارق إشـراق‏.‏

ابـن السلطان السعيد الشهيد الملك المنصور سيف الدنيا والديـن سقـى اللـه عهـده عهـاد الرحمـة ذوات إغراق وأبقى مجده بمحمده الذي للأمة المحمدية على تعظيمه إجماع وعلى تقديمه اتفاق يخـص المقـام العالـي الملـك الأجلالكبيـر المجيـر العاضـد المثاغر المظاهر الفائز الحائز المنصور المأثـور الفاتـح الصالـح الأمكن الأصون الأشرف الأعرف الكريم المعظم أبا الحسن علياً أميـر المسلميـن ابـن السلطـان السيعد الحميد الطاهر الفاخر الماهد الزاهد الأورع الأروع أمير المسلمين أبي سعيد عثمان ابن السلطان السعيد الرشيد السابق الوامق الجامع الصادع أمير المسلمين أبي يوسف يعقـوب بـن عبـد الحـق ناظـم مفـرق الفخـار وهـازم فـرق الفجار والملازم لإحياء سنة الجهاد المتروكة في الأقطار حتى يجمع في ملكه أطراف الغرب الأقصى للاستيلاء والاستظهار ويخضع لفتكه كل متكبر جبار ويرصع في سلكه ما تأبى وصعب من تلك الديار ويرفع لنسكه أعمالاً من الجهاد والاجتهاد تسر الحفظة الأبرار يظهر فيها لبركة الاسم العلوي من نشر الهدى وقهر العدا أوضح الأدلة وأبين الآثار ويؤثر سلطاننا المحمدي من علي عزمه وحمي حزمـه بأعـز الأعـوان والأنصـار فتظفـر دار الإسلـام مـن قومـه بمهاجريـن مـن أبنـاء البلـاد يقر لهم بأم القرى قرار ويسير سواهم للبيت ذي الحجر والحجر والباب والميزاب والملتـزم والجـدار والأستـار بسلـام مشـرق الغـرر مونـق الحبـر وثنـاء مـع ريـاه لا يعبـأ بالعبير مع نشره ولا يعتبر ووداد مخفي الخبر واعتداد يطـول منـه ألسنـة الشكـر عـن إحصائـه واستقصائه قصر وإيراد لمفاخره التي سارت بها الأخبار والسيـر واعتقـاد لمآثـره التـي سبـق عثمانها إلى إحراز مزايا الفضل وجاء عليها على الأثر‏.‏

أما بعد حمد الله الذي أمر أولياءه المؤمنين بالمعاونة والمظافرة ونهى عباده الصالحين عن المباينة والمنافرة ورعى لحجاج بيته حرمة القصد وكتب لهم أجر المهاجرة ودعا إلى حرمه من أهله من خدمه فأجابه بالتلبية وأثابه وآجره‏.‏

والشهادة له بالوحدانية التي تسعد بمصاحبة المصابرة وتصعد إلى الدرجات الفاخرة والصلاة والسلام على سيدنا محمد ذي المناقب الباهرة والمواهب الزاخرة والمراتب التي منها النبوة والرسالة في الدنيا والوسيلة والشفاعة في الآخرة وعلـى آلـه وصحبه الذين أفنى الله الشرك بصوارمهم الحاصدة وأدنى القتل بعزائمهم الحارة صلاة إلى مظان الرضوان متواترة ما ربحـت وفـود مكـة البركـة الوافـرة ووضحـت لقاصـدي الكعبـة البيت الحرام أوجه القبول سافرة‏.‏

فإنـه ورد - أورد اللـه تعالـى البشرى على سمعه وأيد اهتمامه بتأليف شمل السعد وجمعه - من جانبـه المكـرم ومعهـده وربعـه كتـاب كريـم نسبـه فخيم أدبه علي منصبه ملي إذا أخلف السحـاب بمـا يهبـه سـري سرت إلى بيت الله وحرم رسوله القريب قربه على يد رسوله‏:‏ الشيخ الأمين الأزكى الأروع الأتقى الخطيب البليغ المدرسن المفيد أبي إسحاق ابن الشيخ الصالح أبي زيد عبد الرحمن بن أبي يحيى نفع الله به وحاجبه الكبير المختار المرتضى الأعز أبي زيـان عريـف ابـن الشيخ المرحوم أبي زكريا أيده الله تعالى وكاتبه الأمجد الأسعد أبي الفضل ابن الفقيه المكرم أبي عبد الله بن أبي مدين وفقـه اللـه تعالـى وسـدده ومـن معهـم مـن الخاصـة والزعماء والفرسان الماثلين في خدمة الجهة المصونة بلغها الله أربها وقبل قربها الواصلة بركبكم المبارك الرواح والمغدى المعان على إكمال فرض الحج المؤدى المرحولين بحمد العقبى كما حمد المبدا فضضنا ختامه الذكي وأفضنا في حديث شكره الزكي وعرضنا منه بحضرتنا روضاً يانع الروض به محكي وحضضنا نوابنا على إعانة خاصة وفده وعامتهم على قضاء النسك بذلك الحرم المكي وتلمحنا فصوله الميمونة فإذا هي مقصورات على مثوبات محضة ورغبات تؤدي من الحج فرضه وهبات يعامل بها من يضاعف أجره ويوفيه قرضه وقربات يحمد فاعلها يوم قيام الأشهاد نشره وحشره وعرضه‏.‏

فأمـا مـا ذكـره مـن ورود الكتابيـن الواصليـن إلـى حضرتـه صحبـة الشيخيـن الأجلين ‏"‏ أبي محمد عبد الله بن صالح والحاج محمد بن أبي لمحان ‏"‏ وأنه أمضى حكمهما وأجرى رسمهما فقد آثرنا للأجر حوزه واخترنا بالشكر فوزه وقصدنا بهما تجديد جلباب الوداد وتأكيد أسباب الولاء على البعاد وإلا فمع وجود إنصافه الحقوق من غاصبها تستعاد والوثوق بنصره للمظلوم وقهره للظالم لا يختلف فيه اعتقاد وقد شكرنا لكم ذلك الاحتفال وآثرنا حمدكم في المحافل والمحال‏.‏

وأمـا نعتـه ممـا أشرتـم غليـه مما يتعين له التقديم ويستحق توفية حقه من تكريم التكريم وهو تجهيز ركبكم المحروس في السرى والمقام في خدمة من يقوم مقام الوالدة المرحومة في الاحترام سقى الله صوب الرحمة صفيحهـا ورقـى إلـى الغرفـات روحهـا ومعهـا وجـوه دولتكـم الغـر وأعيـان مملكتكم من سراة بني مريـن الذيـن تبهـج مرائيهـم وتسـر ومـا نبهتـم عليـه مـن ارتفـاع شأنهـم واجتماع فرسانهم واستيداع أمانتنا نفائس أنفسهم وأديانهم فقد استقبلناهم على بعد بالإكرام وأحللناهم من القرب في أعلى مقام وصرفنا إلى تلقائهم وجه الإقبال والاهتمام وعرفنا حقهم أهل الإسلام ونشرنا لهم بفنائنا الأعلام ويسرنا لهم باعتنائنا كل مرام وأمرنا بتسهيـل طريقهـم وتوصيل البر لفريقهم وأسدلنا الخلع على جميعهم واحتفلنا بهم في قدومهم ومقامهم وتشييعهم وأجزلنا لهم أقسام الإنعام في توجيههم وكذلك يكون في رجوعهم وعرضوا بين أيدينـا مـا أصحبتهم من الطرف والهدايا التي لا تحملها ظهور البحار فكيف ظهـور المطايـا مـن عقـود مظمـة وبرود مسهمة ومطارف معلمه ولطائف بالإمكان والإتقان معلمه وصنائع محكمة وبدائع للأفهام مفحمة وذخائر معظمة وضرائر للشموس في الكون والسمة وبواتـر تفـرق بيـن الهام والأجسام والهامة ملحمة وأخاير بمقدار مهديها في الجلال مفهمة وخيول مسومة بالأهلة مسرجـة وبالنجـوم ملجمة معودة نزال الأبطال معلمة ذوات صدور مبقورة وأكفال مسلمة تسحب من الحرير أذيالاً وتصحب من الوشي سربالا وتميس بحللها وحلاها عجباً واختيالا ويقيس مشبهها سرعتها بالبرق فلا يتغالى عاتيات الأجسـام عاليـات كالآكـام لفحولهـا صهيـل يذعر الأسود ولسنابكها وقع يفطر الجلمود أتعبت الرواض وركبت منها صهوة كل بحر سابح حيث لجج الموت تخاض وقرنت مرابطها بحماية جواهر النفوس من الأعراض وجنيبة تجر من ذيوبها كل فضاض وحسبت لاختلاف شياتهـا كأنهـا قطـع الريـاض‏:‏ مـن شهـب كأنمـا ارتـدت الأقاح أو غدت رافلة في حلل الإصباح ودهم نفضت عليها الليالي صبغها فلا براح وربما أغفلت من ذلك غرر وأوضاح وكمت كأنها فتح صلب البطاح تطير إلى الظفر بجناح وحمر كأنها خلقت للنجاح وأطلقت أعنتها فقالت ألسنة أسنتها للطرائد‏:‏ لا براح وخضر كأنها البزاة الموشـاة الوشـاح أو مشيـب فـي الشباب قد لاح وشقر تكبو في طلبها الرياح وتخبو نار البرق إذا أمسى بسنا سنابكها اقتداح‏.‏

ووراءها البغال التي تحمل الأثقال ولا تزل في الأوحال بحال وعليها الزناريات الموشعة وحليها الجلال الملمعة وهي تمشي رويداً وتبدي قوة وأيداً كأن قلامتها قنـاه عيـداً ‏"‏ ‏"‏ وهـي وافـرة الأمـداد فاخـرة على الجياد باهرة العدد متكاثرة الأعداد راسخات القوائم كأنها أطواد شامخات الـرؤوس حاليـات الأجيـاد باذخـات الأكفـال غلـاظ شـداد وسـارت لهـا إلـى رحابنـا انقياد وصارت من محل إسعاد إلى مواطن إصعاد فتقبلنا أجناسها وأنواعها وتأملان غرائبهـا وإبداعها وجعلنا يوماً أو بعض يوم في حواصلنا إيداعها ثم استصفينا منها نفائس آثرنا إليها إرجاعها وفرقنا في أوليائنا اجتماعها وقسمنا مشاعها وغنمنا لما أفاء الله صفاياها ومرباعها فتوالت لكل ولي منها منح وسارت إلى كل صفي منهـا ملـح وقالـت الألسنـة وطالـت فـي وصف ما عليه به فتح فاستبان ووضح وكان لأهل الإيمان بنعمته أعظم هناء وأكبر فرح‏.‏

وسطرناهـا وركبكـم المبارك قد رامت السرى نجائبهم وأمت أم القرى ركائبهم يسايرهم الأمـن ويصاحبهم ويظاهرهم اليمن ويواظبهم فقد أعدت لهم المير في جميع المنازل وشدت لهم الهجان البوازل وأترعت لهم الموارد والمناهل وأمرعت لهم بالميرة القفار والمراحل ووكلت بهم الحفظـة في المخاوف ونصبت لهم الأدلة في المجاهل وجرد معهم الفرسان وجدد لهم الإحسان وأكد لهم حقان حق مرسلهم وحق الإيمان وقلد درك حياطتهم أمـراء العربـان وشوهـد مـن تعظيمنا لهم ما يحسدهم عليه ملوك الزمان بكل مكان وكتبنا على أيديهم إلى أمراء الأشراف بالنهوض في خدمتهم والوقوف وأن يحيط بهم كل مقدم طائفة ويطوف يتسلمهـم زعيـم مـن زعيم إلى أن تحط رحالهم بالحطيم ويحل كل منهـم بالمقـام ويقيـم وتكمـل مناسكهـم بشهـود الموقف العظيم‏.‏

وكذلك كتبنا إلى أمراء المدينة المشرفة أن تتلقى بالقبول الحسن مصحفه وتحلـه بيـن الروضـة والمنبر وتجله فقد ربح سعي كاتبه وبر وكتبت له بعدد حروفه أجور توفر ويمكن من يرق لتلاوته في الآصال والبكر ويهيمن على ذلك فإنه من بيت هم الملاك الأعلى وعندهم وفيهم جاءت الآيات والسور‏.‏

وعمل قليل يتم حجهم واعتمارهم ويوم طيبة الطيبة العاطرة زوارهم فيكرم جوارهم ويعظم فخارهم وتنعم بإشراق تلك الأنوار بصائرهم وأبصارهم وتفوح أرواح نجد من ثيابهم وتلوح أنوار القبول على شيبهم وشبابهم ثم يعودون إلينا فنعيد لهم الصلات ونفيد كلاً منهم ديم النعم المرسلات ثم يصدرون إن شاء الله إليكـم ركائبهـم بالمنائـح مثقلـات ومطالبهـم بالمناجـح مكملات ويظفرون من الله في الدارين بقسم النعم المجزلات حتى يلقوا برحابكم عصا التسيار ويصونـوا حـر وجوههـم بالصبـر علـى حـر الهجيـر ‏"‏ من ‏"‏ لفح النار ويدخروا بما أنفقوا عند الله من درهم ودينار أجراً جماً وما عند الله خير للأبرار والله تعالى يقربه من تلك المواطن ويدنيه منها بالظاهر وإن كان يسري إليها بالباطن ويسهل ‏"‏ له ‏"‏ ذلل الحرم وإن كان قد أعان القاطن والقادم حتى تحل ركائبه بين المروتين وتجيز ويكون له بذلك على ملوك الغرب تمييز وما ذلك على الله بعزيز‏.‏

لا زالت مقبولة على المـدى هدايـاه مجبولـة علـى النـدى سجايـاه مدلولـة علـى الهـدى قضايـاه منصورة على العدا سراياه مبرورة أبداً تحاياه‏.‏

والسلام الأتم الذي يعبق رياه والثنـاء الأعـم المشرق محياه عليكم ورحمة الله وبركاته والخير يكون إن شاء الله تعالى‏.‏

وهـذه نسخـة جـواب الكتـاب الـوارد علـى الملـك الناصـر ‏"‏ محمـد بنقلـاوون ‏"‏ مـن ابـن أبـي الحسـن علي المريني صاحب فاس المغرب بالبشارة بفتح بجاية والانتصار على تلمسان‏.‏

واستفتاحه بعد البسملة بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ يـا أيهـا الذيـن آمنـوا إن تنصـروا اللـه ينصركـم ويثبـت أقدامكم والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم ‏"‏‏.‏

ثم المكاتبة المعهودة‏:‏ من ألقاب الملكين والدعاء‏.‏

والصدر‏:‏ قهر الله ببأسه من ناواه من أئمة الكفر وطغاتـه ونصـره علـى مـن لـاواه مـن حـزب الشيطـان وحماته‏.‏

ونشر أعلامه بالظفر بمن خالفه من عداة الله وعداته‏.‏

وأجاره من بلوغ الوطر في سكونه وحركاته على أجمل أوضاعه وأكمل عاداته ويسر له بدوام سعوده فتح ما استغلق من معاقل الحائدين عن مرضاته‏.‏

ولا زالت ركائب البشائر عنـه تسـري وإليـه مـن تلقائينـا تسيـر ومصير الظفر حيث يصير ويدور الفلك المستديـر بسعـده الأثيـل الأثيـر وينـور الحلـك بضـوء جبينه الذي يهتدي به الضال ويلجأ إليه المستجير وتغور أعين العدا إن عاينوا جحفله الجرار وناهـدوا جيشه المبير‏.‏

بتحية تحكي اللطائم عرفها الشميم وتود الكمائم لو تفتقت عن مثل ما لها من نضارة أو تسنيم ويود عقد الجوزاء لو انتظم في عقدها النضيد النظيم‏.‏

وكيف لا وهي تحية صادرة عن مقام شريف إلى روضة غناء تزري بالنبت العميم واردة من محل عظيم على محياً وسيم منطوية على‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

الأرض من سلامة ولملوك الإسلام من سلام سليم وطرفة نشرها كالمسك الذي ينبغـي أن يختتـم بـه هـذا الكتـاب وثنـاء يستفـز الألبـاب ويستقـر فـي حبـات قلـوب الأحبـاب ويستدر أخلاف الودين المتحابين في الله فلا غرو أن دخلت عليهم ملائكة النصر من كـل بـاب‏.‏

يتسابقـان إلـى ذلـك المجـد الأسنـى فـي أسعـد مضمـار وتيساوقان بحياز قصبات السبق إلى تلك العصبة المشرقة الأنوار ويزداد فيهما بالوفود عليه طيباً ويغدو عود الود بهما رطيباً حيث الربع مريع والمهيع منيع والعز مجـدد والقـدر مطيـع وسحب الكرم ثرة ورياض الفضل مخضرة وعساكر النصر تحل نحوه من المجرة حيـث تستعـر الحرب ويستحر الضرب وتشرق شموس المشرفيات لامعة‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

أما بعد حمد الله مظهر دينه على كل دين ومطهر أرجاء البسيطة من الماردين المارقين ومجرد سيف النصر على الجاحدين الحائدين وموهن كبد الكافرين ومجزل أجر الصابرين ومنجز وعد من بشرهم في كتابه المبين بقوله‏:‏ ‏"‏ بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ‏"‏‏.‏

الذي عصم حمى الإسلام بكل ملك قاهر وفصم عرى الشرك بكل سلطان غدا على عدو الله وعدوه بالحق ظاهر وقصم كل فاجر بمهابة أئمة الهدى الذين ما منهم إلا من هو للمحاسن ناظم ولقمم العدا ناثر ناشر علم الإيمان بحماة الأمصار وناصر علم الإسلام بملوك الأقطار وجاعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى لا جرم أن لهم النار جامع قلوب أهل الإيمان على إعلاء علم الدين الحنيف وإن بعدت بينهم شقة النوى وشط المزار‏.‏

والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين ونقمة على الكفار ونصره بالرعـب مسيـرة شهر وبالملائكة الكرام في إيراد كل أمير وإصدار وألان ببأسه صليب الصلبوت وأهان بالتنكيس عبدة الأصنام وسدنة النار وأيده بآل وأصهار وأصحـاب وأنصـار وجنـود تهون النقع المثار وأتباع ما أظلم خطب إلا أجالوا سيوفهم فبدا نجم الظفر في سماء الإيمان وأنار وأمة ظاهرة على من ناواها ظافرة بمن عاداها ما تعاقب الليل والنهار صلاة وتسليماً يدومان بدوام العشي والإبكار‏.‏

فقد ورد علينا كتاب مختوم بالتكريم محتوم بالتبجيل والتقديم محتو علـى وصـف فضـل اللـه العميم ونصره العظيم ومنه الجسيم فأكرمنا نزله ونشرنا حلله وتفهمنا تفاصيله وجملـه فتيمنـا بوصوله وتأملنا مخايل النصر العزيز من فصوله ووجدناه قد اشتمل مـن سعـادة مرسلـه علـى أنواع ومن وصف تعداد نصرته على عون من الله ومن يعن الله فهو المنصور المطاع‏.‏

فأما ما ذكره المقـام العالـي مـن أمـر الوالـدة المقـدس صفيحهـا‏.‏

المغمـور بالرحمـة ضريحهـا ومـا كانت عزمت عليه من قصد مبرور وتجارة لن تبور وأم إلى البيت الآمن والحرم المعمور وما فاجأها من الأجل وعاجلها من أمر الله عز وجل فالمقام أجزل الله ثوابه يتحقق أن النية في الأجور أبلغ من العمل وأنه من أجاب داعي الحمام فلا تقصير في فعله ولا خلل والله نسأل أن يكتـب لهـا مـا نوته من خير وأن يطيف روحها الزكية ببيته المعمور في جنات عدن كما أطاف أرواح الشهداء في حواصل ذلك الطير‏.‏

وكنا نود أن لو قدمت ليتلقاها منا زائـد الإكـرام ويوافـي مضاربهـا وافـد الاحتفـال والاهتمـام ونستجلب دعواتها الخالصـة الصالحـة وتظفـر هـي مـن مشاهـدة الحـرم المعظـم والمثـوى المكـرم والبيت المقدس بالصفقة الرابحة‏.‏

على أنه منن ورد من تلقائكم قابلناه من جميل الوفادة بما به يليق وتقدمنا بمعاملته بما هو به حقيق ويسرنا له السبيل وهديناه الطريق وأبلغناه في حرز السلامة مع ركبنا الشريف أمله من قضاء المناسك والتطواف بالبيت العتيق‏.‏

وأما ما أشار إليه من أمر من كان ‏"‏ بتلمسان ‏"‏ وأنه ممن لا يعرف مواقع الإحسان وما وصفه المقام العالي من أحوال ليس الخبر فيها كالعيان وأنه اعتدى على من يتاخمه من الملوك وخرج عن القصد فيما اعتمده من ذلك السلوك حتى أن ملك تونس أرسل إلى المقام ابنه ووزيره وسأله أن يكون ظهيره على الحق ونصيره وأن المقام العالي أرسل إلى ذلك الشخـص منكـراً اعتماده طالباً إصلاحه لا إفساده راجياً أن يكون ممن تنفعه الذكرى ظاناً أنه ممن يأبى أن يقال لـه‏:‏ ‏"‏ لقـد جئـت شيئـاً نكـرا ‏"‏ وأنـه بعـد ذلـك تمـادى علـى غيـه وأراد أن يـذوق طعـم المـوت في حيه وأبى الظالم إلا نفوراً وذكر الملك عنه أنه قتل أباه بعد أن آتاه الله به نعمة وملكاً كبيراً‏.‏

وأن المقام العالي أتاه نبأ عن أخيه المقيم بسجلماسة وخبر صدق أوجب أن يعامل بما يليق بجميل السياسة وحريز الحراسة فجند المقام له جنـوداً وعقـد بنـوداً وأضـرى أسـوداً أوهنـت كيـده وأذهبت أيده وعاجلت صيده وأذالت باسه وأزالت عنه سيما الملك ونزعت لباسه‏.‏

وأنه فـي غضـون ذلـك أتـاه سلطـان الأندلـس يستصـرخ بـه علـى عدو الله وعدو المؤمنين ويستعديه على الكفـرة المعتديـن وأن المقـام لبـى دعوتـه مسرعـاً وأكرم نزله ممرعاً ووعده الجميل وحقق له التأميل‏.‏

وأن صاحب تلمسان لما غره الإمهال وظن هذه المهام توجـب للمقـام بعـض اشتغـال أعمـل أطماعـه فـي التجـري علـى بعـض ممالكـه المحروسـة ومـد وسـار إلـى محـل هـو بينهمـا كالحد‏.‏

وأن المقام عند ذلك صرف إليه وجه العزم وأخذ في حفظ شأنه بما لأعلام النصر من نصب وما للاعتـداء مـن رفع وما للاهتمام من جزم‏.‏

وأنه لم يقدر عليه إلا بعد أن حذره من أليم العقاب حلـولاً وتمسـك فيـه بقولـه تعالـى‏:‏ ‏"‏ ومـا كنـا معذبيـن حتـى نبعـث رسولاً ‏"‏ ‏"‏ ولما ‏"‏ لم ينفعه الإنذار وأبى إلا المداومة والإصرار أرسل إليه المقام العالي من جيشه الخضم وعسكره الذي طالمـا تعضده ملائكة السماء وإلى أعداده تضم كل باسل يقوم مقام الكتيبة وكل مشاهد يشاهد منه في العرين كل غريبه وكل ضرغام تعرف العدا مواقع ضربه لكنها تجهـل نـده أو ضريبـه فأذاقـوه كـأس الحمام صرفاً ولم يبتغوا عن حماه بدون نفسه عدلاً ولا صرفاً وإلى أن أخذوه في جماعـة من بني أبيه وشرذمة قليلة ممن كانت تخالصه في الشدائد وتوافيه وأن المقام العالي بعد ذلـك سيـر مطـارف العـدل فـي الرعيـة وأقـر أحوالهـم فـي عـدم التعـرض إلى الأموال والذرية على ما هو المسنـون فـي قتـال البغـاة مـن الأمـور الشرعيـة‏.‏

وفهمنـا جميـع مـا شرحـه فـي هـذا الفصل ومـا أخبـر به صدر النصل والله تعالى يزيد ملكه رقيا ويجزيه لقبـول النعـم لقيـا ويجعلـه دائمـاً كوصفـه مظفـراً وكاسمـه عليا‏.‏

وأن المقام العالي لما فرغ وجهه من هذه الوجهة وحاز هذا الملك الذي لم يحز آباؤه كنهه عاد إلى المهم الذي قدم فيه سلطان الأندلس لأنه أبدى ما المسلمون فيه من محاورة الأذى ومجاورة العدا وقرب المسافة بين هذين العدوين كالشجا وفي عيونهم كالقذى‏.‏

وأنه ثوى به من الطغاة من أسدل على المسلمين أردية الردى وأنه على جانب البحر المعروف بالزقـاق وبـه قطـان يمنعـون الإرفـاد والإرفـاق ويصـدون عـن السبيـل من قصد سلوكه من الرفاق‏.‏

وأن البر أيضاً مملوء منهم بصقور صائده وعلوج مكايده وكفار معانده وفجـار علـى السوء متعاضده والبحر مشحـون بغربـان طائـرة بأجنحـة القلـوع طـارده صـادرة بالمـوت وارده جارية في فلك البحر كالأعلام إلا أنها بالإعلام بالخبر شاهده تتخطف كل آم وقاصد وتقعد لأهـل الإيمـان بالمراصـد وتدنـي المـوت الأحمـر ممـن ركـب البحـر الأخضـر وتمنـع السالك إلا أن يكون من أهل الضلال الحالك من بني الأصفر‏.‏

وأن المقام العالي عند ذلك قام لله وغار وأنجد جنوده في طلب الثار من أهل النار وأغار وأنجد قاصد حرمه ببعث كرمه وأعار وأرسل عقبان فرسانه محلقة إلى ذلك الجبل الشامخ الذرى وأطار إلى أن أحاطت بهم جنوده إحاطة الآساد بالفرائس لا إحاطة الهالات بالأقمار فما منهم إلا من أعمل على العدا رحا المنون وأدار وسار وناعي البين يقدمه إلى أين سار وقدم عليهم ولده الميمون النقيبة الممنوح غربه من مواقع النصر بكل غريبة الجاري على سنن آبائه الكرام المظفر أنى سرى الممدوح حيث أقام‏.‏

وأنه مزق جموعهم الكثيفة وهدم معاقلهم المنيفة واستدنى منهـم القاصـي واستنـزل العاصـي وأخـذ بالأقـدام والنواصـي وأحـل العـذاب والنكال بمن يستحقه من أهل الإلحـاد والمعاصـي وقـرن بيـن الـأرواح والآجـال وأذكرهـم بهـذا النصر أيام ابن نصر وأعاد وأثبت لهذا الجبل حقيقة اسم المدح واستقر في صحائف فعله المقام إلى آخر هذا المنح‏.‏

وعلمنا أيضاً ما اعتمده الطاعي المغتال لعنه الله منن الحضور بنفسه وجمعه الملحدين من أبناء خدمته والمارقين من جنسه‏.‏

وأنه أعظم هذا الأمر وأكبر وأبدى الزفير لهذا المصاب وأظهر وأقسم بمعبوده المصور وصليبه المكسر أن لا يعود إلا بعد أن يظفر بما سلبه الحق إياه وتبصر فأبى الله والمؤمنون أن تكون النية إلا خائبة وقضت سعادة الإسلام أن تكون الأيام لما عقده من الطوية الردية ناكبة فلما طال عليه الأمد وحان الحين عاد صفر اليدين ولكـي بخفـي حنيـن ناكصاً على عقبه خاسئاً لسوء منقلبه وأسرع إلى مقر طاغوته سرى وسيراً ولو كان من ذوي الألقـاب لتعقـل فـي أمـر قـول اللـه تعالـى‏:‏ ‏"‏ ورد اللـه الذيـن كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ‏"‏‏.‏

وأن المقام العالـي ألزمـه بعـد ذلـك مـا كـان علـى أهـل ‏"‏ أغرناطـة ‏"‏ لـه فـي كـل عام موظفاً ووضع عنهم إصر ما برج كالأسر مجحفاً‏.‏

وهذه عزة إسلامية جدد الله على يد المقام بذلك القطر صدورهـا وسطـر فـي صحائـف حسناته أجورها وابقى له مذخورها وأعدها له ليوم تجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضراً إذا شاهدت عرضها ونشرها ومنة من الله أربت على العد وتجاوزت الحد ومزية لا تطمـح الآمـال إلـى ميلها في جانبها ولا تمتد ورتب جد يلحق بها الولد الناجم في سماء المعالي رتـب الكـرام من أب له وجد - والله يجعله مظفراً على العدا منصوراً على من حاد عن سواء السبيل واعتدى مستحقاً لمحاسن الأخبار على قرب المدة وبعد المدى‏.‏

وقد كان أخونا أمير المسلميـن وسلطـان الموحديـن والـدك الشهيـد قـدس اللـه سـره وبـوأه دار النعيم وبها أقره في كل آونة يخبرنا بمثل هذا الفتح ويذكر لنا ما ناله من جزيل المنح ‏"‏ فهذه شنشنة نعرفها من أخزم ‏"‏ وسنة سلك فيها الشبل الصائد سنن ذلك الضيغم الأعظم ونحن نحمد الله الذي أقام المقام مقام أبيه لنصرة الإسلام وأبقى وصدق بما تنشئه من حسن افعالك وسعيد آرائك أنك أبو الحسين وأن أباك أبو سعيد حقا‏.‏

وحيث سلك المقام سنن والده الشهيد وأتحفنا من أنبائه بكل جديـد وقـص علينـا أحاديـث ذلك الجانب الغربي المشرق بأنواره ونص متجدداته مفصلة حتى صرنا كأنا مشاهدون لذلك النصر ومواقع آثاره فقضى الود أن نتحفه من أحاديث جيشنا الذي أشرفت لمعات سيوفه في الشرق الأعلى بما يشنف سمعه ويسر معشر الإسلام وجمعه وموطنه وربعه‏:‏ ليتحقق أن نعم الله لكل مـن قـام بتشييـد هـذا الديـن المحمـدي عامـة ومننـه لديهـم تامـة وألطافـه بهـم حافـة ومناصرته ليد سلطان الإسلام في أعناق العدا مطلقة ولأكف أهل الشرك كافة ‏"‏ وأما بنعمة ربك فحدث ‏"‏‏.‏

فمما نبديه لعلمه ونهديه لسعيد فهمه أن من جملة من يحمل لأبوابنا الشريفة من ملـوك الكفـر القطيعـة فـي كـل عـام ويـرى أن ذلك من جملة الإفضال عليه والإنعام متملك سيس والذي هو في ملتـه من ساكني البر كالرئيس وبين بطارقته وطغاته كالكتد الأعظم أو كالقديس النفيس وعليه مـع ذلـك لأبوابنـا الشريفـة مـن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ما لا يحيد عنه ولا يحيس ومرتب لا يقبل التنقيص ولا يسمح لخناقه بتنفيس تحمله نوابه إلى أبوابنا الشريفة عن يد وهم صاغرون ويقومون به على قدم العبودية وهم ضارعون‏.‏

ولما كان في العالم الماضي سوف ببعضه وأخر ودافع عند إبانه وقصر وسأل مراحمنا في تنقيص بعض ذلك المقرر وأرسل ضراعاته إلى نوابنا بالممالك الشامية في هذا المعنى وكرر وقد في نفسه المراوغة وأسر خسراً في ارتعا والله أعلم بما قدر فاقتضت آراؤنا الشريفة أن نرسـل إليـه بعثـاً يذلل قياده وينكس صعاده ويخرب بلاده ويوطئ أطواده ويوهن عناده ويذهـب فساده ويفرق أجناده ويمزق أنجاده ويقلل أعداده ويفلل جموعه ويدكك ربوعه ويذري على ملكه دموعه ويدني خضوعه ويفصل تلك الأبدان التـي هـي للطغيـان مجموعـه فأنهضنا إليـه مـن الأبطـال كـل باسـل وأنهدنـا إليـه منهـم كـل ضرغـام خـادر يظـن الجاهـل أنـه متكاسل وأشهدنا حربه كل مؤمن يرى الشهادة مغنماً والتخلف مأثماً والتباطؤ مغرماً والعذر في هذا المهم أمراً محرماً ويعد الركوب إلى هذا السفر قربه والركون إلى وطنه غربه ويرغب فيما وعد الله به جيشه المنصور وحزبه ويربأ بنفسه أن يكون من الخالفين حباً لها وتكريماً ويبـادر إلـى مـا أمـر بـه رغبـة فـي قولـه تعالـى‏:‏ ‏"‏ وفضـل اللـه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ‏"‏ على صافنات جياد ليس لها غير الطير في سرعة المرام أضداد وعاديات عاديات على أهل العناد وضابحات ذابحات لذوي الفساد ومغيرات طالما أسفر صبحها عن النجاح ومثيرات نقع يتبلج غيهبها عن تحقق النجاة وإزالة الجناح‏.‏

وصواهل عراب كم للفضل بها من كمون وللموت اقتراب وأصائل خيل تخيل لراكبهـا أنهـا أجـرى مـن الريـاح وأسـرى مـن الليـل قـد عقـد الخيـر بنواصيهـا وعهـد النصـر مـن أعرافهـا وصياصيهـا وتسنـم راكبوهـا لذروة العز من ظهورها واحتووا على الكبير الأعلى من نصرتها على العدا وظهورها بسيوف تبـدد الأوهـام وتزيـل الإيهام وتقد الهام وتدني الموت الزؤام وتطهر بميامنهـا نجـس الشـرك ودنسـه وتقـرع أجسادهـم فتغدو كلها عيوناً ولكن بالدماء منجسه قد تسربل كل منهم من الإيمان درعاً حصيناً واتخذ لبسه جنة ولكن من الذهب والإستبرق ليكون لفضل الله مظهراً ولإحساننا مبيناً واتخذ لسهام فلما جاسوا خلال تلك الديار وماسوا يرفلون في حلل الإيمان التي تشفي صدور قوم مؤمنين وتغيظ الكفار لم يسلكوا شعباً إلا سلك شيطان الكفر شعباً سواه ولا وطئوا موطئاً إلا وكل كافـر يأبـاه ولا نالـوا مـن عـدو نيـلاً إلا كتب لهم به عمل صالح كما وعدهم الله وما أتوا لهم على ضـرع حافـل إلا جـف ولا مـروا علـى زرع حاقـل إلا أصبـح هشيمـاً تـذروه الريـاح أو حطيمـاً تكفيـه الكـف ولا هشيـم إلا حرقـوه ولا جمـع إلا فرقوه ولا قطيع شاء إلا قطعوه ومزقوه ولا ضائز إلا ضنوا عليه أن يدعوه لهم أو يطلقوه ومـا برحـوا كذلـك إلـى أن نازلـوا البلـد المسمـى بآياس فحصل لأهله من مسماه الاشتقاق الأصغر والاشتقاق الأكبر بقطع الأمل منه واتصال الإياس فناداهم من بذلك الحصن من أسارى المؤمنين‏.‏

يا رحمة الله حلي في منازلنـا حسبي برائحة الفردوس من فيك ويا نصر الله انشر بالظفر رايات مواجهنا ومنازلنا فطالما كنا نؤملك ونرتجيـك ويـا خيـل اللـه اركبي ويا خيل الكفار اذهبي ويا جند إبليس ارهبي من جنـد اللـه الغالبيـن وإن وجـدت مناصاً فانفري ويا ما للإسلام من جنود وأنصار قاتلوا الذين يلونكم من الكفار‏.‏

وكانت موافاة عسكرنا المنصور إليهم عنـد الإسفـار فلـم يملكـوا القـرار ولا استطاعـوا الفـرار ولم يجدوا ملجأ من الله إلا إليه‏.‏

وقال‏:‏ لا وزر وكيف به لمن يلبي الأوزار ورأوا ما أعددنا لحصارهم من مجانيق تقد الصخور وتدكدك القصور وتغيض بهـا ميـاه نفـوس تلـك الأجسـاد الخبيثة فلا يجتمعان إلى يوم البعث والنشور وأنا أمددنا جيوشنا بجاريـات فـي بحـر الفـرات مشحونة بالأموال والأقوات والعدد والآلات وأرفدناهم من الذهب والفضـة بالقناطيـر المقنطرات وأوفدنا عليهم من أنجادنا بالديار البكرية وأطراف البلاد الشامية جيوشاً كالسحاب المتراكم وأطرنا عليهم عقبان اقتناص من عقبـان التراكميـن اعتـادت صيـد الأراقـم وأسر الضراغم فلما تحققوا الدمار لم يلبثوا إلا كما وصف الله تعالى حال من أهلك من القوم الفاسقين ساعة من نهار‏.‏

فعند الظهيرة حمي الوطيس ونكص عند إعلان الـأذان علـى عقبـه إبليـس وشاهـدوا المـوت عياناً وتحققوا الذهاب أموالاً وإخواناً وولداناً أذعنوا إلى السلم ونادوا الأمـان الأمـان يـا أهـل الإيمان والعلم والكف الكف يا جند الملك الموصوف عند الشقاق بالحزم وعند القدرة على العقـاب بالحلـم‏.‏

وأرسـل طاغيتهـم الأكبـر ليفـون يقسـم بصليبه‏:‏ إنا من القوم الذين يقومون بما عليهم مـن الجزية ويوفون ومن الرعية الذين يطيعون أمر ملكهم الأعظم وعن حمى الإسلام يكفون فعند ذلك رأى نوابنا بذلك العسكر أن تكف عنهم شقة الشقاق وتطوى ولانت قلوبهم لتذكار قوله تعالـى‏:‏ ‏"‏ وأن تعفـوا أقـرب للتقـوى ‏"‏‏.‏

وطالعـوا علومنـا بمـا سألـه القـوم من الرحمة والرأفة وما ضرعوا إليهم فيه من الأمان والألفة وإعطاء ما كنا رسمنا به من تسليم قلاع معدوده وتسويغ أراض محـدوده تستقـر بيـد نوابنا وتقطع بالمناشير الشريفة لأهل الجهاد من أبوابنا مع استقرار ما رسمنا به من قطيعة وعقد الهدنة على أمور هي عندنا محببة ولديهم فظيعة‏.‏

هذا بعد أن استولت عساكرنا على قلاع لهم وحصون ومحرز من أموالهم ومصون وطلعـت أعلامنـا المحمديـة علـى قلعـة آيـاس ونـزل أهـل الكفـر علـى حكـم أهل الإيمان وزال التحفظ والاحتراس وأعلن بالأذان في ذلك الصرح وظهرت كلمة الإيمان كما بدأت أول مرة وهذا يغني عن الشرح وعلت الملة الحنيفية بذلك القطر وقام أهلها وصالوا وغلت أيدي الكفار ولعنوا بما قالوا‏.‏

وكـان جيشنـا قبـل ذلـك أخـذ قلعـة تسمى ‏"‏ بكاورا ‏"‏ واستنزلوا أهلها قسرا واستزالوهم عنها ما بين قتلى وأسرى وهي قلعة شامخة الذرى فسيحة العرا وثيقة العرا يكاد الطرف يرجع عنها خاسئا‏.‏

ولما اتصل بأبوابنا هذا الخبر السار وشفع لنا من نرى قبول شفاعته في إجابة ما سأله هذا الشعب من إجراء عذاب أهل الكفر إلى نار تلك الدار مننا عليهم بالأمان وقابلناهم بعد العدل بالإحسان وتقدم أمرنا إلى نوابنا بكف السيف وإغماده وإطفاء مسعر الحرب وإخماده وأن يجرى المن على مألوفه منا ومعتاده بعد تسليم تلك القلاع وهدم الأسوار التي كان بها لأهل الكفر الامتناع واستبقاء الرعية واستحياء الذرية وإجراء الهدنة المسؤولة على القواعد الشرعيـة وعـاد عسكرنا منشور الذوائب مظفر الكتائب مؤيد المواكب مشحوناً بغرائب الرغائب‏.‏

وعنـد وصولهـم إلـى أبوابنـا فتحنـا لهـم أبـواب العطـاء الأوفـر وبدلناهـم بالتـي هـي أحسن وعوضناهم الذي هو أكثر وأفضنا عليهم من خلع القبول ما أنساهم مشقة ذلك السرى وشقة السير وتلا عليهم لسان الإنصاف ‏"‏ ولباس التقوى ذلك خير ‏"‏‏.‏

وبعد ذلك ورد علينا كتاب بعض نوابنا بالأطراف من أولاد قرمان القائمين بمشـارق ممالكنـا على وجه الأمن وسعة الأمان بأنهم عند عودهم من سيـس ونصرتهـم علـى حـرب إبليـس استطردوا فأخذوا للكفر تسع قلاع ما برحت شديدة الامتناع لا تمتد إليها الأطماع فتكمـل المأخـوذ فـي هـذه السفـرة ومـا قبلها خمس عشرة قلعة وبدد الله شمل الكفر وفرق جمعه وآثرنا أن نعلم المقام العالي بلمحة مما لله لدينا من النعم ولبره من شارة يستدل بها على أثر أخلاف كالديم ونطلعه على درة مـن سحـاب وغرفـة مـن بحـر عبـاب وطرفـة نشرهـا كالمسـك الـذي ينبغي أن يختتم بها هذا الكتاب‏.‏

ونحن نرغب إلى المقام أن يواصل بكتبه المفتتحة بالوداد المشتملة على النصرة على أهل العناد المشحونة بمواقع الفتح والظفر التي تتضاعف إن شاء الله وتـزداد المحتويـة علـى الطـراف مـن الإخلاص والتلاد المتصل سببها بين الآباء الكرام ونجباء الأولاد والله تعالى يجعله دائماً لثمرات النصر من الرماح يجتني ولوجوه الفتح من الصوارم يجتلي ويديم على الإسلام مزيد العز الذي يتجدد كل آونة من طلائع رايات محمد وبدائع آراء علي بمنه وكرمه‏.‏

وهذه نسخة كتاب جواب إلى صاحب فاس حيث ورد كتابه بالتعرض لوقعه ‏"‏ تمرلنك ‏"‏ من إنشاء مؤلفه كتب بذلك عن السلطان الملك الناصر ‏"‏ فرج بن برقوق ‏"‏ وهو‏:‏ عبد الله ووليه السلطان الأعظم ‏"‏ إلى آخر ألقاب سلطاننا ‏"‏ أجرى الله تعالى الأقدار برفعة قدره وأدار الأفلاك بتأييده ونصره وأذل رقاب الأعداء بسطوته وقهره وشحن الأقطار بسمعتـه ومـلأ الآفـاق بذكـره يخـص المقـام العالي ‏"‏ إلى آخر الألقاب ‏"‏‏:‏ رفع الله تعالى له في ملكه الشامخ مناراً وجعل النصر والظفر له شعاراً وأحسن بحسـن مواتاتـه إلا لأهـل الكفـر جـواراً بسلام يفوق العبير عبيقه ويزري بفتيق المسك الداري فتيقه ويخجل الروض المنمنم إذا تزيـن بالبهار خلوقه وثناء تكل الألسنة البليغة عن وصفه ويعجز بناة المجد الأثيل عن حسن رصفه وتعترف الأزاهر بالقصور عن طيب أرجه ومسك عرفـه وشكـر يوالـي الـورد فيـه الصـدر أما بعد حمد الله واصل أسباب المودة وحافـظ نظامهـا ومؤكـد علائـق المحبـة بشـدة التئامهـا ورابط جأش المعاضدة باتحاد وتناسب مرامها ومجدد مسراب القلوب بتوالي أخبارها المبهجة عـن عالـي مقامهـا‏.‏

والصلـاة والسلام على سيدنا محمد أفضل نبي رعى الذمام على البعاد وأكرم رسول قرن صدق الإخاء منه بصحة الوداد صلاة تبلغ من رتبة الشـرف منتهاهـا وتنطـوي الشقة البعيدة دون بلوغ مداها إن ورد علينا على يد رسولكم فلان كتاب كريم طاب وروده وتهللت بالبشر سعوده وشهد بصدق المحبة الصادقة شهوده وطلع من الجانب الغربي هلالـه فلاحت بالمشرق بحسن التلقي سعوده فقر منه برؤيته الناظر وابتهج بموافاته الخاطر ولاحت من جوانبه لوائح البشر فأحسن تلقيه سلطاننا الناصر‏.‏

وقابلناه من القبول بما كاد باطنه لكمال الموافاة يكون عنواناً للظاهر وفضضنا ختامه المصون عن بديع كلام مخترع وبنات فكر قبله لم تفترع وفصاحة قـد أحكـم اللسـن مبانيهـا وبلاغـة تناسبت ألفاظها فكانت قوابل لمعانيها وبراعة قد أحسنت البديهة ترتيبها فجاءت وتواليها تتبع هواديها وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشغاف وبوارح الشوق الذي عندنـا مـن مثلـه أضعـاف أضعـاف وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتدا وما كان من الواقعة التي كان خبرها لفظاعته يكون ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضح له أن ما وقع من هذه القصة لم يكن عن سوء تدبير ونورد عليه من بيان السب ما يحقق عنده أن ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير بل لأمر قدر في الأزل ومقدور الله تعالى لا يدفع بالحيل‏.‏

وذلك أنه لما اتصل بمسامعنا الشريفة قصد العدو إلى جهتنا وتجاوزه حد بلاده إلى أطراف مملكتنا بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب وجيوش يضيق عن وسعها الفضاء الرحب من كل بطل عركته الحروب وثقفته الخطوب وحنكته التجارب وعجـم عـوده بكثـرة المنازلـات قـراع الكتائب‏.‏

قد امتطى طرفاً عربي الأصل كريم الحسب خالـص العتـق صريـح النسـب يفـوق الطرف مدى باعه المديد ويسبق حافره موقع بصره الحديد‏.‏

ولبس درعاً قد أحكم سردها وأبرم شدا وبالغت في السبوغ فاتصفت بصفات الكرام وضاقت عينها فمنعت شبحاً حتى ذباب السهام‏.‏

ووضع على رأسه بيضة يخطف الأبضار وميض برقها وتزلق السهام الراشقة صلابة طرقها وترفعها الأبطال على الرؤوس فلا ترى أنها قامت ببعض حقها‏.‏

وتقلد سيفاً يمضي على الرقاب نافذ حكمه ويقضي بانقضاء الأجـل انقضـاض نجمـه لا ينبـو عـن ضريبـة فيرد ولا يقف حده في القطع عند حد‏.‏

واعتقل رمحاً يجري الدماء سنانه بأنابيبه ويمد إلى الفارس باعه الطويل فيأخذ بتلابيبـه وتتمسـك المنايـا بأسبابـه فتتعلـق منـه بالأذيـال وتضـرس الحـرب بزرق أنيابه كأنها أغوال‏.‏

وتنكب قوساً موعز الآجال هلال هلالها ومورد المنون إرسال نبالها ومدرك الثار رنة وترها وموقد نار الحرب قدح شررها قد اقترن بها سهام تسابق الريح في سرعتها وتعاجل الموت بصرعتها وتختطف العيون في ممرهـا وتختلـس النفـوس مـن مقرها تدخل هجماً كل محتجب وتأتي الحذر من حيث لا يحتسب‏.‏

وتناول عمـوداً يهجـم على الأضالع بأضلاعه فيدغها ويصافح الرؤوس بكفه الملتحمة الأصابـع فيدمغهـا يقـرب مـن الأجـل كـل بعيد ويخلق من العمر كل جديد ولا يقاومه في الدفاع بيضة وأنى تقاوم البيضة زبرة من حديد‏.‏

وتحركنا منن الديار المصرية في جيوس لا يأخذها حصر ولا يلحقها هصر ولا يظن بها على كثرة الأعداد كسر ولم نزل نحث السير ونسرع الحركة للقاء العدو إسراع الطير حتى وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها مستمطرين النصر في أوائل حركتنا وأواخرها وانضم إلينا من عساكر الشام وعربانها وتركمانها الزائدة على العد وعشرانها مـا لا ينقطـع لـه مـدد ولا يدخـل تحـت حصـر ولا عـدد‏.‏

وأقبـل القـوم في لفيف كالجراد المنتشر وأمواج البحر التي لا تنحصر‏:‏ من أجنـاس مختلفة وجموع على تباين الأنواع مؤتلفة وتراءى الجمعان في أفسح مكان ورأى كل قبيل الآخر رأى العين وليس الخبر كالعيان واعتد الفريقان للنزال واحتفروا خنادق للاحتراس وتبوأنا مقاعد للقتال ولم يبق إلا المبـارزة والتقـاء الصفـوف والمناجـزة إذ ورد وارد مـن جهتهـم بطلـب الصلح والموادعة والجنوح إلى السلم وقطع المنازعة فأجبناهم بالإجابة ورأينا أن حقن الدماء من الجانبين من أتم مواقع الرأي إصابة وكتبنا إليهم في ضمن الجواب‏:‏ لما أتانا منكم قاصد يسأل في الصلـح وكـف القتـال قلنـا لـه نعـم الـذي قلته والصلـح خيـر وأجبنـا السؤال فبينا نحن على ذلك واقفون من المواعدة على الموادعة على ما هنالك إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضل سعيهم وعاد عليهم بالوبال والله الحمد بغيهم توجهوا إلـى الديـار المصريـة للاستيـلاء علـى تخـت ملكنـا الشريـف فـي الغيبـة آملين ما لم يحصلوا منه إلا على الخيبة فلم يسع إلا الإسراع في طلبهم للقبض عليهم وإيقاع النكال بهم وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهـم ظـن العـدو أن قصدنا الديار المصرية إنما كان لخوف أو فشل فأخذ في خداع أهل البلد حتى سلموه إليه وفعل فعلته التي فعل ليقضي الله أمراً كان مفعولاً‏.‏

ثم لم نزل ندأب في تحصين البلاد وترويج أعمالها وترتيب أمورها وتعديل أحوالها حائطين أقطارها المتسعة بجيوش لا يكل حدها ولا يعقب بالجزر مدها ليكونوا للبلاد أسواراً وللدولـة القاهـرة إن شـاء اللـه تعالـى أعوانـاً وأنصـاراً وأعـاد اللـه المملكـة إلـى حالهـا المعـروف وفي خلال ذلك ترددت الرسل إلينا في عقد الصلح وإمضائه ودفن ما كان بين الفريقين من المباينة وإخفائه فلم يسعنا التلكؤ عن المصالحة ‏"‏ بل سعينا ‏"‏ سعيها والله تعالى يقول‏:‏ ‏"‏ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ‏"‏‏.‏

فعقدنا لهم عقد الصلح وأمضئناه وأحكمنا قواعده توكلاً على الله تعالى أبرمنا وجهزنا إليهم نسخة منه طمغت بطمغة قانهم عليها وأعيدت إلينا بعد ذلك ليكـون المرجـع عنـد الاختلـاف والعيـاذ بالله تعالى إليها‏:‏ ‏"‏ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ‏"‏‏.‏

والله تعالى يجنب إخاءكم الكريم مواقع الغير ويقرن مودته الصادقة بصفاء لا يشوبه على ممر الزمان كدر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

الجملة الرابعة في مكاتبة ملك المسلمين بالأندلس وهو صاحب غرناطة وقلعتها تسمى حمراء غرناطة‏.‏

وقد تقدم في المقالة الثانية في المسالك والممالك ذكر هذه المملكة وأحوالها ومن ملكها جاهلية وإسلاماً وأنها الآن بيد بني الأحمر‏.‏

وقد ذكر في ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أنهـم مـن ولـد قيـس ابـن سعـد بـن عبـادة سيـد الخـزرج الأنصـاري‏:‏ صاحـب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وهي منهم الآن بيد السلطان محمد بن يوسف بن محمد المخلوع ابن يوسف بن إسماعيل ابن الرئيس أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر وقد أذل الله من يجاوره من نصارى الفرنج بسيفه وامتنع في أيامه ما كان يؤديه من قبله من أواخر ملوك الأندلس إلى ملك الفرنج من إتاوة في كل سنة لاستقبال سنة ثنتيـن وسبعيـن وسبعمائة وإلى آخر وقت‏.‏

وقـد ذكـر فـي ‏"‏ التعريـف ‏"‏ أن سلطانهـا كـان فـي زمانـه فـي الدولـة الناصريـة ‏"‏ محمـد بـن قلاوون ‏"‏ أبا الفضل يوسف ولعله يوسف بن إسماعيل المقدم ذكره‏.‏

قال‏:‏ وهو شاب فاضل له يـد فـي الموشحـات‏.‏

ورسـم المكاتبـة إليـه علـى مـا ذكـره في ‏"‏ التعريف ‏"‏ بعد البسملة ‏"‏ أما بعد ‏"‏ بخطبة مختصرة ‏"‏ فهذه المفاوضة إلى الحضرة العلية السنية السرية العالمية العادلية المجاهدية المؤيديـة المرابطيـة المثاغريـة المظفريـة المنصوريـة بقيـة شجـرة الفخـار وخالصـة سلف الأنصار المجاهد عن الدين والذاب عن حوزة المسلمين ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش خلاصة الخلافة المعظمة أثير الإمامة المكرمة ظهير أمير المؤمنين أبي فلان فلان ‏"‏‏.‏

وهذا صدر لهذه المكاتبة في ‏"‏ التعريف ‏"‏ وهو‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إليه متكلفة بالنصر على بعد الدار مجردة النصل إلا أنه الذي لا يؤخره البـدار مسعدة بالهمم ولولا الاشتغال بجهاد أعداء الله فيمن قرب لما تقدمت سرعان الخيل ولا أقبلت إلا وفي ‏"‏ أوائل ‏"‏ طلائعها للأعداء الويل ولا كتبت إلا والعجاج يترب السطور والفجاج تقذف ما فيها على ظهور الصواهل إلى بطون البحور‏.‏

مبدية ذكر ما عندنا بسببها لمجاورة الكفار ومحاورة السيوف التي لا تمل من النفار مع العلم بما لها في ذلك من فضيلة الجهاد ومزية الجلد على طول الجلاد ومصابرة السهر لأقوات منيمه ومكاثرة هذا العدو بالصبر ليكون لهـا غنيمـة ونحـن علـى إمداهـا - أيدها الله - بالنصر وبالدعاء الذي هو أخف إليها من العساكر وأخفى مسيراً إذا قدر حقه الشاكر ثقة بأن الله سينصر حزبه الغالب ويكف عدوه المغالب ويصل بإمداد الملائكة لجنده ويأتي بالفتح أو بأمر من عنده لتجري ألطافـه علـى مـا عـودت ويؤخذ الأعداء بالجريرة ولينصرن الله من ينصره وينظر إلى أهل هذه الجزيرة‏.‏

والـذي ذكـره فـي ‏"‏ التثقيـف ‏"‏ أن رسـم المكاتبـة إليـه مثـل صاحب تونس القطع والخطابة والاختتام والعالمة والتعريف ‏"‏ صاحب حمراء غرناطة ‏"‏‏.‏

وهـذه نسخة جواب إلى صاحب حمراء غرناطة‏.‏

وقد ورد كتابه في ورق أحمر يتضمن قيامه بأمـر الجهـاد فـي الكفـار ومـا حصل من استيلاء بعض أقاربه على ملكه ونزعه منه وأنه استظهر بعـد ذلـك علـى المذكـور وقتلـه وعـاد إلـى ملكـه علـى عادتـه‏.‏

فـي جمـادى الأولـى سنـة خمـس وستين وسبعمائة وهي‏:‏ نخص الحضرة العلية حضرة الأمير فلان وألقابـه جعـل اللـه لـه النصـر أيـن سـار قرينـا والظفـر والاستظهـار مصاحباً وخدينا وزاد في محله الأسنى تمكيناً وتأمينا ومنح أفقه الغربي من أسرة وجهه المتلألئ الإشراق ومهابة بطشه الذي يورد العدا موارد الردى بالاتفاق تحسيناً وتحصينا - بإهداء السلام الذي يتأرج عرفا ويتبلج وصفا ويكاد يمازح النسيم لطفا - وإبداء الشكر الذي جلله ملابس الإكرام وأضفى وأجمل منه نفاس عقد المودة التي أظهرها فلم تكن تخفى‏.‏

ثـم بعـد حمـد اللـه مؤكـد أسبـاب علـاه ومؤيـد موجبـات نصـره ومـا النصـر إلا مـن عنـد اللـه والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله الذي أمده بملائكته المقربين ونصره بالرعب مسيرة شهر كما ورد بالنص والتعيين ورفع باسمه أولية المؤمنين الموحدين وقمع ببأسه ثائـرة البغاة والمتمردين وعلى آله وصحبه الذين لازموا التمسك بأسباب الدين وجاهدوا في إقامة منار الإسلام لما علموا مقـدار أجرهـم علـم اليقيـن صلـاة متواليـة متواتـرة علـى ممـر الأحقـاب والسنين فإنا نوضح لعلمه الكريم أن كتابه ورد علينا مشتملاً على المحاسن الغراء مغربـاً بـل معرباً لنا بحمرة لونه أن نسبته إلى الحمراء مشبهاً ورد الخدود والنقس فيـه كالخـل أو شقائـق النعمـان كمـا بـدا روضـه غـب السحاب المتوال‏.‏

فوقفنا على مضمونه جميعه وتلمحنا بديع معانيه مـن جميـل توشيعـه وترصيعـه وعلمنـا مـا شرحـه فيـه‏:‏ مـن استمـراره علـى عادة سلفه في القيام بأمر الجهاد وقطع دابر الكفرة ذوي الشقاق والعناد وتوطيد ما لديه من تلك البالد وتطمين ما بها من العباد وما اتفق من قريبه في الصورة لا في المعنى وكيف أساء إليه فعلاً وقد أحسن به ظناً وأنه رصد الغفلة من جنابه وأقـدم علـى مـا أقـدم عليـه مـن اقتـراف البغـي والتمسـك بأسبابـه ولـم يـزل يراعـي غيبـة الرقيـب وهجـوع السامـر إلى أن تمكن من الاستيلاء على ذلك الملك الذي ظن أن أمره إليه صائر لكنه مع كونه قد اقتحم في فعلته هذه الأهوال وتوهم أنه قد حصـل بمكـره على بلوغ بعض الآمال فإنه ما سلم والله الحمد والمنة حتى ودع ولا أقبل سحاب استيلائـه حتـى أقشع بما قدره الله تعالى لحضرة الأمير من نصرته وعوده إلى محل أمره وإمرته‏.‏

وأنه آثر اطلاع علومنا الشريفة على هذه الواقعة لما يعلم من تأكيد المودة التي غدت حمائمها علـى أفنـان المحبـة ساجعـة وقـد علمنـا هـذا الأمـر وشكرنا جميل محبته التي لم ينسج على مناولها زيـد ولا عمرو وابتهجنا بما يسره الله تعالى له من ذلك وانتهزنا فرص السرور بما منحه الله من ظفره المتقارب المتدارك وحمدنا الله تعالى على تأييد هذه العصابة الإسلامية وما من بن من عود شمس هذا الأفق الغربي إلى مطالعها السنية ولا جرم أن كانت لـه النصـرة والاستيـلاء والقـدرة‏:‏ لـأن اللـه تعالـى قـد تكفـل سبحانـه لأوليائـه بمزيـد التكريم والتعزيز إذ قال عز وجل‏:‏ ‏"‏ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ‏"‏ ‏"‏ إن الله لقوي عزيز ‏"‏‏.‏

وأما غير ذلك فقد وصل رسول الحضـرة العليـة إلينـا وتمثـل بمواقفنـا المعظمـة ومحـال مملكتنـا المكرمة وأقبلنا عليه وضاعفنا الإحسان إليه وأدى إلينا ما تحمله من المشافهة الكريمة ورسائل المحبة والمودة القديمة فرسمنا بإجابة قصده وتوفيـر بـره ورفـده وقضـاء شغلـه الـذي حضر فيه وتسهيل مآربه بمزيد التنويل والتنويه ومسامحة الحضرة العلية بما يتعين على ما قيمته ألفا دينار مصرية حسب ما عينه رسوله المذكور ولو كان سألنا أضعاف ذلك لأجبنا سؤاله مـن غيـر تـرو ولا فتـور‏.‏

وقـد جهزنـا إليـه صحبتـه مـا أنعمـت به صدقاتنا الشريفة عليه من الدرياق ودهـن البلسـان فليتحقـق مـا لـه عندنـا مـن المكانـة والمحـل الرفيـع الشـان وقـد أعدنـا رسوله المذكور إلى جهته الكريمة بهذا الجواب الشريف محترماً مكرمـاً مشمـولاً مـن إحساننـا بالتليـد والطريف فيحيط علماً بذلك والله تعالى يمده بمزيد التأييد ويمنحه من جميل الإقبال وجزيل النوال ما يربي على الأمل ويزيد‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه المقصد الثالث ممن جرت العادة بالمكاتبة إليه من العرب والسودان وفيه ثلاث جمل الجملة الأولى في المكاتبة إلى من بهذا الجانب من العربان مكاتبة العربان وقد ذكر في التثقيف ممن كوتب منهم جماعة بالطرقات الموصلة من الديار المصرية إلى بلاد الحبشـة وغيرهـا ثم قال‏:‏ ولعل هؤلاء أيضاً من عربان الممالك المحروسة غير أنه لا إقطاعات لهم وعد منهم ثمانية أشخاص وذكر أنه كتب إلى كل منهم الاسم والمجلس الأمير‏:‏ الأول‏:‏ سمرة بن كامل العامري الثاني‏:‏ عابد بن قاسم الثالـث‏:‏ كمـال بن سوار‏.‏

قال‏:‏ وهو مستحدث المكتبة في العشر الأول من جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة‏.‏

الرابـع‏:‏ جنيـد‏:‏ شيـخ الجوابـرة مـن الهكارية بأبواب النوبة‏.‏

قال‏:‏ وهو مستحدث المكتبة في سنة تسع وستين وسبعمائة‏.‏

السادس‏:‏ علي شيخ دغيم‏.‏

السابع‏:‏ زامل الثاني‏.‏

الثامن‏:‏ أبو مهنا العمراني‏.‏

الجملة الثانية في المكاتبة إلى مسلمي ملوك السودان وهم أربعة ملوك الأول‏:‏ ملك النوبة‏.‏

وهو صاحب مدينة دنقلة وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في الكلام على المقالـة الثانيـة فـي المسالـك والممالـك‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ وهـو رعيـة من رعايا صاحب مصر وعليه حمل مقرر يقوم به في كل سنة ويخطب ببلاده لخليفة العصر وصاحب مصر‏.‏

قلـت‏:‏ هذا كان في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وهذه الإتاوة كانت مقررة عليهم من زمن الفتح في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه ثم صارت تنقطع تارة وتحمل أخرى بحسب الطاعة والعصيان‏.‏

وهي الآن مملكة مستقلة بذاتها ولذلك أوردت مكاتبة صاحبها في جملة الملوك‏.‏

ورسـم المكاتبـة إليـه إن كـان مسلمـاً علـى مـا ذكره في التعريف‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس الجليـل الكبيـر الغازي المجاهد المؤيد الأوحد العضد مجد الإسلام زين الأنام فخر المجاهدين عمدة الملوك والسلاطين‏.‏

وذكـر ذلـك فـي التثقيـف نقـلاً عنـه ثـم قـال‏:‏ ولـم أجـد لـه مكاتبـة ‏"‏ متداولـة ‏"‏ بيـن الجماعـة‏.‏

قـال‏:‏ ولـم يكتـب لـه شـيء فـي مـدة مباشرتـي بديـوان الإنشـاء ولـم يـزد علـى ذلـك‏.‏

من أول السطر ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته هذه المكاتبة أيضاً وأنه يقال بعـد عمدة الملوك والسلاطيـن‏:‏ أدام اللـه سعادتـه وبلغـه فـي الداريـن إرادتـه تتضمـن إعلامـه كيـت وكيـت فيتقـدم بكـذا وكـذا فيحيـط عملـه بذلـك ‏"‏‏.‏

ثـم قـال‏:‏ والمكاتبـة إليـه في قطع العادة والعلامة أخوه ولا يخفى أن العنوان بالألقاب ويظهر أن التعريف صاحب دنقلة‏.‏

الثاني‏:‏ ملك البرنو‏.‏

قال في التعريف‏:‏ وبلاده تحد بلاد ملك التكرور مـن الشـرق ثـم يكـون حدها من الشمال بلاد صاحب أفريقية ومن الجنوب الهمج‏.‏

وقد تقدم الكلام عليها مستوفى فـي المقالـة الثانيـة مـن الكلـام علـى المسالـك والممالك‏.‏

ولم يذكر هذه المملكة في مسالك الأبصار‏.‏

قلـت‏:‏ وملكهـا يزعـم أنـه مـن ذرية سيف بن ذي يزن ملك اليمن على ما ورد به كتابه في أواخر المائة السابعة‏.‏

ورسم المكاتبة إليه على ما ذكر في التعريف‏:‏ أدام الله تعالى نصر الجانب الكريم العالي الملك الجليل الكبير العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور عز الإسلام من نوع ألقاب ملك التكرور يعني شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحديـن جمـال الملوك والسلاطين ظهير الإمام عضد أمير المؤمنين الملك فلان ويدعى له بما يناسبه وبعد إهداء السلام والتشويق هذه المفاوضة تبدي على ما سيأتي ذكره في مكاتبته‏.‏

وهـذا صـدر يليـق بـه‏:‏ ولا زالت همم سلطانه غير مقصرة ووفود حجه غير محصرة وسيفه في سواد من جاوره من أعدائه الكفار يقول‏:‏ ‏"‏ وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آيـة النهـار مبصـرة ‏"‏‏.‏

صدرت ولها مثل مسكة أفقه عبق وعنبرة طينته سواد إلا أنه من السواد اليقق وشيبية ملكه الذي يفديه سواد الحدق أوجبها ود أسكنه مسكنه من سويداء القلب لا يريم وأراه غرة الصباح الوضاح تحت طرة الليل البهيم‏.‏

وحكى ذلك عنه في التثقيف ولم يزد عليه‏.‏

ورأيت في الدستور المنسوب للمقر العلائي بن فضل الله أن مكاتبته في قطع الثلث والعلامة أخوه وتعريفه صاحب برنو‏.‏

قلت‏:‏ ووصل من هذا الملك كتاب في الدولة الظاهرية برقوق يتشكى فيه من عرب جذام المجاورين له ويذكر أنهم أخذوا جماعة من أقاربه باعوهم في الأقطار وسـأل الكشـف عـن خبرهـم والمنـع مـن بيعهـم بمصـر والشـام وأرسل هدية صالحة من زئبق وغيره‏.‏

وكتب جوابه بخط زين الدين طاهر أحد كتاب الدست صدره‏:‏ أعز الله تعالى جانب الجناب الكريـم العالـي الملك الجليل العالم العادل الغازي المجاهد الهمام الأوحد المظفر المنصور المتوكل فخر الدين أبي عمرو عثمان بن إدريس عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة‏.‏

وبعـث إليـه بـه مـع رسولـه الـوارد صحبة الحجيج فأعيد وقد كتب الجواب على ظهره بعد سنة أو سنتين‏.‏

الثالث‏:‏ ملك الكانم‏.‏

قال في مسالك الأبصار‏:‏ وقاعدة الملك منها بلدة اسمها جيمي ومبدأ مملكتـه من جهة مصر بلدة اسمها زلا وآخرها طولاً بلدة يقال لها كاكا وبينهما نحو ثلاثة أشهر‏.‏

قـال‏:‏ وعسكرهـم يتلثمـون وملوكهـم على حقارة سلطانه وسواء بقعة مكانه في غاية لا تدرك من الكبريـاء يمسـح برأسـه عنان السماء مع ضعف أجناد وقلة متحصل بلاد محجوب لا يراه أحد إلا في يوم العيدين بكرة وعند العصر وفي سائر السنة لا يكلمه أحد ولو كان أميراً إلا من وراء حجاب‏.‏

وقـال فـي التعريـف ملوكهـا مـن بيـت قديـم فـي الإسلـام وجـاء منهـم مـن ادعـى النسـب العلـوي في بني الحسن وهو يتمذهب بمذهب الشافعي ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كرسم مكاتبـة صاحـب البرنـو بـدون الكريـم وتبعـه علـى ذلـك فـي التثقيـف ناقـلاً لـه عنـه‏.‏

ثـم قـال‏:‏ ولـم أطلـع على مكاتبة له غير الذي قد ذكره‏.‏

الرابع ملـك مالـي‏:‏ قـال فـي مسالـك الأبصـار وهـي فـي نهايـة الغـرب متصلـة ببحـر المحيـط وقاعـدة الملـك بهـا بنبـي وهـي أعظـم ممالـك السـودان وقـد تقـدم فـي المقالـة الثانيـة في الكلام على المسالك والممالك ذكر أحوالها وما تيسر من ذكر ملوكها وإن مالي اسم للإقليم والتكرور مدينة من مدنه وكان ملكها في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون منسا موسى ومعنى منسا السلطان‏.‏

وقـد ذكـر فيـه مسالك الأبصار أنه وصل منه كتاب عن نفسه لنفسه فيه ناموساً وإنه وصل إلى الديار المصرية حاجاً واجتمع بالسلطان الملك الناصر فقام له وتلقاه وأكرمه وأحسن نزله على ما هو مبسوط في موضعه‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ وملـك التكـرور هـذا يدعـي نسبـاً إلـى عبـد اللـه بـن صالـح بـن الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

ورسم المكاتبة إليه على ما ذكر في التعريف‏:‏ أدام الله تعالى نصر المقر العالي السلطان الجليل الكبير العالم العادل المجاهد الؤيد الأوحد عز الإسلام شرف ملوك الأنام ناصر الغزاة والمجاهدين زعيـم جيوش الموحدين جمال الملوك والسلاطين سيف الجلالة ظهير الإمامة عضد أمير المؤمنين قال‏:‏ ولا يعرض له ولا يقر بشيء من الألقاب الدالة على النسب العلوي وهذا صـدر لهـذه المكاتبة ذكره في التعريف‏:‏ ويسر له القيام بفرضه وأحسن له المعاملة في قرضه وكثر سواده الأعظـم وجعلهم بيض الوجوه يوم عرضه ومتعه بملك يجد الحديد سجف سمائه والذهب نبات أرضه‏.‏

صدرت هذه المفاوضة وصدرها به مملو وشكرها عليه يحلو ومزايا حبه في القلوب سر كل فؤاد وسبب ما حلي به الطرف والقلب من السواد تنزل به سفنها المسيرة في البحر وترسى وتحل عند ملك ينقص به زائده وينسى موسى منسى وتقيم عليه الدهر لا يطرقه فيما ينوب والفكر لا يشوقه إلا إذا هبت صبا من أرضه أو جنوب‏.‏

والمتـداول بيـن جماعـة كتاب الإنشاء أن المكاتبة إليه‏:‏ أعز الله تعالى جانب الجناب الكريم العالي الملك الجليل العالم العـادل المجاهـد المؤيـد المرابـط المثاغـر العابـد الناسـك الأوحـد فلـان ذخـر الإسلام والمسلمين نصرة الغزاة والمجاهدين عون جيوش الموحدين ركن الأمة عمـاد الملـة جمـال الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين والدعاء‏.‏

وذكـر نحـو ذلـك فـي الدستـور المنسـوب للمقـر العلائـي بـن فضـل اللـه ثم قال‏:‏ ويقال‏:‏ ‏"‏ صدرت هذه المكاتبة إلى الجانب العالي مملوءة الصدر بشكره باسمة الثغر برفعة قدره موضحة لعلمه الكريم كيت وكيت وذكر أن خطابـه بالجنـاب الكريـم والطلـب والقصـد والختـم بالإحاطـة وذكـر هـو الجملة الثالثة في المكاتبة إلى ملوك المسلمين بالحبشة قد تقدم في المقالة الثانية في كلام المسالك والممالك أن ببلاد الحبشة سبعة ملوك مسلمين لهم سبع ممالك كل مملكة منفردة بملك وبها الجوامع والمساجد ينادى فيها بالأذان وتقام بها الجمع والجماعات وهم مع ذلك تحت أمر صاحب أمحرا ملك الحبشة يختار لولاية ممالكهم من شاء توليته ولا يردون ويصدرون إلا عن أمره وهي مملكة أوفات والزيلع مملكة دوارو ومملكة أرابيني ومملكة هدية ومملكة شرحا ومملكة بالي ومملكة دارة‏.‏

وقـد تقـدم الكلـام عليهـا وعلـى أحوالهـا مستوفـى عنـد الكلـام عليهـا في المقالة الثانية‏.‏

قال في ذلك مسالك الأبصار‏:‏ وهذه الممالك تجاور ناصع وسواكن ودهلك وليس بها مملكة مشهورة‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ ولـم يـرد مـن هـذه الملوك السبعة كتاب ولا صدر إليهم خطاب‏.‏

قال‏:‏ فإن ورد منهم شيء فتجري مكاتبتهم مثل مكاتبة صاحب الكانم والبرنو‏.‏

وقد تقدم أن رسم المكاتبة إليهما على ما ذكره في التعريف‏:‏ أعز الله تعالى نصرة الجانب الكريم وأعز الله تعالى جانب الجانـب الكريـم‏.‏

علـى مـا كتـب بـه القاضـي زيـن الديـن طاهـر فـي جـواب صاحـب البرنو على ما هو مذكور في موضعه‏.‏

في المكاتبة إلى أهل الجانب الشمالي وفيه ثلاثة أطرق الطرف الأول في المكاتبات إلى الأمراء الأتراك بالبلاد المعروفة ببلاد الروم المسماة الآن ببلاد الدروب قال في التعريف‏:‏ وهـي البلـاد المنحصـرة بيـن بحـري القـرم والخليـج القسطنطينـي تنتهـي فـي شرقيهـا إلـى بحر القـرم المسمـى بحـر نيطـش وفـي الغـرب إلـى الخليـج القسطنطينـي وتنتهـي متشاملـة إلـى القسطنطينية وتنتهي جنوباً إلى بلاد الأرمن يحدها البحر الشامي‏.‏

قال‏:‏ وهـذه البلـاد بلـاد متسعة وهي مفرقـة لملـوك مجتمعـة ولكنـه لا يطلـق عليهـا إلا اسـم الإمـارة ولا انتظـام لكلمتهـم واجتماع لجملتهم ثم قال‏:‏ وأكبرهم صاحب كرميان وله بينهم وضع محفوظ ونظام مرعي‏.‏

أما ملوكنا فأجل من لديهم منهم جماعة بني قرمان لقرب ديارهم وتوصل أخبارهم ولنكاياتهم في متملك سيس وأهل بلاد الأرمن واحتياجهم لهم من ذلك الجانب مثل احتجاج عساكرنـا لهـم مـن هذا الجانب فمكاتبتنا إلى بني قرمان لا تكاد تنقطع وأما إلى البقية فأقل من القليل وأخفى من مرأى الضئيل‏.‏

ثم عد منهم ستة عشر أميراً‏.‏

وذكر رسم المكاتبة إلى كل واحد منهم‏:‏ الـأول‏:‏ صاحـب كرميـان‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ ولـم يكتب إليه مدة مقامي بالأبواب السلطانية ويشبه أن تكون المكاتبة إليه بالمقر نظير صاحب ماردين لكن بأبسط ألقاب إذ هي أدعى لاستحسانهم لقلة معارفهم وعلى هذا التقدير يكون رسم المكاتبة إليه‏:‏ أعز الله تعالى نصر المقر الكريم العالي الملكي الأجلي العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري المظفري المنصوري الفلاني عون الأنام شرف الملوك والسلاطين نصير الغزاة والمجاهدين زعيم الجيوش مقدم العساكر ظهير أمير المؤمنين‏.‏

قـال‏:‏ فـإن لـم يسمـح لـه بكل هذه المخاطبة ولم يؤهل لنظير هذه المكاتبة كتبت هذه الألقاب مع الجانب الكريم وخوطب بالإمارة إن لم يسمح له بالمخاطبة بالملك‏.‏

قال في التثقيف‏:‏ ولعل مكاتبته بالجناب مع هذه الألقاب كما ذكر ومخاطبته بالإمارة أولى لأنه إذا كان بنو قرمان أجل لدى ملوكنا ومكاتباتهم بالدعاء والمجلس العالي فيتعين حيث هو أكبر منهـم أن يكـون هـو أعلـى منهـم رتبـة فـي المكاتبـة بدرجتين وهي‏:‏ الجناب الكريم‏.‏

قال‏:‏ هذا هو الأولـى عنـدي‏.‏

قلـت‏:‏ وهـذا كلـه إنمـا كـان قبـل أن يعلـو قدر ابن عثمان صاحب برسا الآتي ذكره ويرتفـع قـدره علـى مـن بتلك البلاد جملة‏.‏

أما بعد ارتفاعه وانحطاطهم دونه فينبغي أن ينظر في قدر المكتوب إليه ويكتب إليه بحسب ما تقتضيه الحال‏.‏

الثاني‏:‏ صاحب طنغزلو‏.‏

قال في التعريف‏:‏ ورسم المكاتبة إليه‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى المجلـس العالـي الأميـري ولـم يذكـر العلامـة إليـه قـال فـي التثقيـف والـذي وجدتـه مسطوراً في مكاتبته الاسم والسامي بالياء‏.‏

الثالـث‏:‏ صاحـب تـوازا‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ وهـو فـي المكاتبـة نظير صاحب طنغزلو ولم يزد على ذلـك غيـر أنـه ذكـر أن اسمـه فـي زمانه كان على أرينه وذكر في التثقيف أنه لم يقف على رسم مكاتبة سوى ذلك‏.‏

الرابع‏:‏ صاحب عيدلي‏.‏

قد ذكر في التعريف أن اسمه في زمانه دندار أخو يونس صاحب أنطاليا‏.‏

وأنه نظير صاحب توازا في المكاتبة فتكون المكاتبة إليه‏:‏ صدرت والعالي‏.‏

قال في التثقيف‏:‏ ولم أقف على رسم مكاتبة إليه سوى ذلك إلا أنه ذكر بعد ذلك صاحب عدليو‏.‏

وقال أن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء وذكر أن المقر الشهابي بن فضل الله لم يتعرض إلى ذكـره فـي التعريـف ثـم قـال‏:‏ وقد تكون هي عيدلي المقدم ذكرها وإنما تكررت بتغيير الحروف‏.‏

قال ولم يتحرر هل لهما اثنان أو واحد‏.‏

الخامس‏:‏ صاحب كصطمونية وهي قسطمونية‏.‏

قال في التعريف وكانت آخر وقتٍ لسليمان باشـا وكـان أميـراً كبيـراً كثيـر العـدد موفـور المـدد ذا هيبـةٍ وتمنـع‏.‏

ثم قال‏:‏ وورث ملكه ابنه إبراهيم شـاه وكـان عاقـاً لأبيـه خارجـاً عـن مراضيـه وكـان فـي حياتـه منفـرداً بمملكـة سنـوب‏.‏

قال وهي الآن داخلة في ملكه منخرطة في سلكه‏.‏

وذكر أن رسم المكاتبة إليه‏:‏ أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي الأميري بأكمل الألقاب وأتم ما يكتـب فـي هـذا البـاب‏.‏

وذكـر فـي التثقيـف نقـلاً عن القاضي ناصر الدين بن النشائي وأمين الدين خضر مثل ذلك وأن العلامة إليه أخوه‏.‏

السادس‏:‏ صاحب فاويا‏.‏

قال في التعريف وهو يعني في زمانه مراد الدين حمزة وهو ملك مضعـوف ورجـل بمجالـس أنسه مشغوف‏.‏

قال‏:‏ ورسم المكاتبة إليه‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري بالياء‏.‏

وقال في التثقيف وهو غير بعيد‏.‏

السابع‏:‏ صاحب برسا‏.‏

وقـد ذكـر فـي التعريـف أنـه فـي زمانـه أرخـان بـن عثمـان‏.‏

ثـم قـال وهـو نظيـر صاحب فاويـا فـي المكاتبـة فتكـون مكاتبتـه السامـي باليـاء‏.‏

وقـال فـي التثقيـف ولـم أطلـع علـى رسـم المكاتبة إليه غير ذلك إلا أنه ذكر في الفصل الأول من الباب الرابع في الكلام على مكاتبات الحكام أرخان بن عثمان‏.‏

وقال‏:‏ إن لقبه سيف الدين‏.‏

ثم قال ويقال إنه صاحب برسا وذكر قلـت‏:‏ وقـد تقـدم فـي الكلـام علـى المسالـك والممالـك أن الأمـر قـد آل فـي بني عثمان إلى أرخان بن عثمـان جق ثم إلى ابنه مراد بك وأنه اتسع ملكه وجاوز في الفتح الخليج القسطنطيني حتى قـارب خليـج البنادقـة ثـم إلـى ابنـه أبـي يزيـد فـزاد فـي الملـك على ما كان بيد أبيه وتزوج في بني قرمـان ودخـل بنو قرمان وسائر التركمان في طاعته ولم يبق خارجاً عن ملكه إلا سيواس فإنها كانت مع قاضيها إبراهيم المتغلب عليها ولم يزل ذلك حتى قصده تمرلنك وأسره ومات في يديـه وملـك بعـده ابنـه سليمـان جلبـي‏.‏

ثـم مات وملك بعده أخوه محمد بن أبي يزيد بن مراد بك بـن عثمـان جـق وهـو القائـم بهـا الآن وكانت المكاتبة قد استقرت إلى أبي يزيد في الأيام الظاهرية برقوق‏.‏

الثامـن‏:‏ صاحـب أكبـرا‏.‏

قـد ذكر في التعريف‏:‏ أنه كان في زمانه دمر خان بن قراشي وذكر أن مكاتبيه نظير مكاتبة صاحب برسا يعني السامي بالياء وذكر في التثقيف‏:‏ أنه لم يقف على سوى ذلك‏.‏

التاسـع‏:‏ صاحـب مرمـرا‏.‏

وقـد ذكـر فـي التعريـف‏:‏ أنـه في زمانه كان بخشي بن قراشي‏.‏

وقال إن رسم المكاتبة إليه‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في المسالك والممالك أن هذه البلدة كانت جزيرة بالخليج القسطنطيني بها مقطع رخام وأن النصارى غلبوا العاشر‏:‏ صاحب مغنيسيا‏.‏

ذكر فـي التعريـف‏:‏ أن اسمـه صاروخـان وقـال‏:‏ إن المكاتبـة إليـه السامـي باليـاء‏.‏

وذكـر فـي التثقيـف‏:‏ أنهـا صـارت بعده إلى ابنه إسحاق بن صاروخان وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة بالاسم والسامي بالياء‏.‏

الحـادي عشـر‏:‏ صاحـب نيـفٍ‏.‏

ذكـر في التعريف‏:‏ أنه في زمانه كان علي باشا أخو صاروخان صاحب مغنيسيا المقدم ذكره وذكر أن رسم المكاتبة إليه مثل أخيه المذكور فتكون صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي‏.‏

الثانـي عشـر‏:‏ صاحـب بركي‏.‏

ذكر في التعريف‏:‏ أنها في زمانه كانت بيد ابن أيدين ولم يصرح باسمـه‏.‏

وقـال أن المكاتبـة إليـه أدام اللـه تعالـى نعمـة المجلـس العالـي بالألقـاب التامـة وذكر في التثقيف‏:‏ أنه لم يقف له على مكاتبة غير ذلك‏.‏

الثالث عشر‏:‏ صاحب فوكه‏.‏

ذكر في التعريف‏:‏ أنه كان في زمانه أرخان ابن منتشا وأن المكاتبة إليه نظير صاحب بركي فتكون الدعاء مع العالـي بالألقـاب التامـة أيضـاً وذكـر فـي التثقيف‏:‏ أنه لم يقف في مكاتبته على غير ذلك‏.‏

الرابـع عشـر‏:‏ صاحـب أنطاليـا‏.‏

ذكـر فـي التعريـف أنـه كـان فـي زمانه اسمه خضر بن يونس وقال أن اسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس العالي‏.‏

وذكر في التثقيف‏:‏ أن خضر بن يونس المذكور كان يلقب سنان الدين وأنه استقر بعده دادي بك ثم استقر بها آخراً محمـد المعروف بكاجوك وذكر أن المكاتبة إليه أخوه والدعاء العالي ثم قال وهو الأصح لأنه آخر ما استقر عليه الحال في مكاتبته وكتب به إليه‏.‏

الخامس عشر‏:‏ صاحب قراصار‏.‏

ذكر في التعريف أنه كان في زمانه اسمه زكريا وأن رسم المكاتبـة إليـه‏:‏ هـذه المكاتبـة إلـى المجلـس السامـي بـلا يـاء وذكـر فـي التثقيـف‏:‏ أنـه لـم يطلـع علـى مكاتبـة إليه سوى ذلك وأنه لم يكتب إليه شيء في مدة مباشرته‏.‏

السادس عشر‏:‏ صاحب أرمناك‏.‏

ذكر في التعريف‏:‏ أنها كانت في زمانه بيد ابن قرمان ولم يصـرح باسمـه وذكـر فـي التثقيـف‏:‏ أن اسمـه عـلاء الدين سليمان قال في التعريف‏:‏ ورسم المكاتبة إليه‏:‏ أدام الله تعالى نعمة المجلس العالي بأكمل الألقاب وأكبرها وأجمعها وأكثرها ‏"‏ وذكر فـي التثقيـف أن آخـر مـن استقـر بهـا في شوال سنة سبعَ وستين وسبعمائة علاء الدين علي بك بن قرمان ووافق علـى رسـم المكاتبـة المذكـورة‏.‏

وقـال‏:‏ إن العلامـة إليـه أخـوه وتعريفـه فلـان بـن قرمان‏.‏

قال في التعريف‏:‏ ولإخوة صاحبها ابن قرمان المذكور رسـوم فـي المكاتبـات فأكبرهـا قـدراً وأفتكهـم ناباً وظفراً الأمير بهاء الدين موسى‏.‏

وقد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية أنه حضر إلى الأبواب السلطانية وحج مع الركب الشريف ثم عاد إلى الأبواب السلطانية وأجلس في المرتين مع أمراء المشورة وأشرك في الرأي وسأل السلطان في كتابة منشور بما يفتحه من بلاد الأرمن فكتب له‏.‏

قال في التعريف‏:‏ واستقرت المكاتبة إليه مثل مكاتبة أخيـه‏.‏

قـال‏:‏ أمـا بقيـة بنـي قرمـان فدونهمـا فـي المكاتبـة‏.‏

واعلـم أن صاحـب التثقيـف قـد زاد على ذلك من أمراء هذه البلاد ستة نفر‏.‏

أحدهـم‏:‏ الحاكـم بالعلايا‏.‏

وذكر أنه كان اسمه حسام الدين محمود بن علاء الدين وأنه كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة أخوه والدعاء والعالي في قطع العادة‏.‏

الثاني‏:‏ صاحب بلاط ورنحر ذكر أنه كان بها أمير موسى بن إبراهيم بن منتشا وأن المكاتبة إليه في قطع العادة والده والدعاء‏:‏ والمجلس العالي‏.‏

الثالـث‏:‏ صاحـب أكـردور وهي أكردون‏.‏

ذكر أنه كان بها إلياس بن مصطفى من بني حميد وأن رسم المكاتبة إليه على ما استقر عليه الحال عندما كتب إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة والده والسامي بالياء‏.‏

الرابـع‏:‏ صاحـب أيـا سلـوق‏.‏

ذكـر أنـه كـان بهـا عيسـى بن أيدين وأنه كتب إليه في شوال من السنة المذكورة أيضاً‏.‏

الخامس‏:‏ صاحب يلي شار‏.‏

ذكر أنه كان بها الأمير محمد ولم يذكر نسبته وقال‏:‏ إن المكاتبة إليه الاسم والسامي بالياء‏.‏

السـادس‏:‏ الأميـر ذروان بـن كرمـان بـن منتشـا ذكر أنه ممن استجدت مكاتبته في شوال سنة سبع وستيـن وسبعمائـة‏.‏

واعلـم أنـه قـد زاد فـي التثقيـف ذكـر مكاتبـة جماعـة لم أتحقق هل هم من أهل هذه البلاد أم من غيرها‏.‏

منهم صاحب قلعة الحنفاء ذكر أنه كان اسمه سيف الدين قويجي وأن المكاتبة إليه في قطع الثلث والسامي بالياء‏.‏

ومنهم صاحب قلعة الجوز في قطع الثلث الاسم والسامي بالياء وتعريفه اسمه‏.‏

ومنهـم صاحب بكجرى‏:‏ استجدت الكتابة إليه في شوال سنة سبع وستين وسبعمائة وكتب إليه الاسم والسامي بغير ياء‏.‏

ومنهم الحاكم بقلعة أبيض كتب إليه الاسم ومجلس الأمير‏.‏

ومنهم الحاكم بقلعة نعمة كتب إليه الاسم ومجلس الأمير أيضاً‏.‏

ومنهم الحاكم بقلعة أشنى‏:‏ وهي أشنو كتب إليه كذلك‏.‏

على أنـه قـد ذكـر منهـم جماعـة أيضـاً ليسـوا مـن أهـل هـذه البلـاد جملـة منهـم نائـب خلـاط وصاحب موغان وهي موقان والحاكم بإسعرد وهي سعرت وصاحب قيشان وهي قاشان‏.‏

وقـد تقدم أن خلاط من أرمينية وموقان من أرمينية وإسعرد من ديار ربيعة من الجزيرة الفراتية وقاشـان مـن عـراق العجـم وبالجملـة فقـد خلـط فـي التثقيف في البلدان تخليطاً كثيراً وخلط بعض أقاليم البلاد ببعض‏.‏

قلت‏:‏ قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات ذكر أصول يعتمدها الكاتب في كتبه تعم الكتب السلطانية وغيرها وأنا أذكر هنا ما يختص منها بالكتب الصادرة عـن السلطان على النمط الجاري عليه الاصطلاح الآن ليسهل القصد إليها لقربها ويحصل الغرض من ذلك بذكر تسعة أمور‏:‏ أولها‏:‏ مقادير قطع الورق قد تقدم في الكلام على مقادير قطع الورق المستعملة في دواوين الإنشاء جملة والذي يختص منها بالكتب الصادرة عن السلطان أربعة مقادير‏:‏ أحدهما‏:‏ قطع البغدادي الكامل وقد مر أنه يكتب فيه للقانات‏.‏

وثانيها‏:‏ قطع النصف وفيه يكتب إلى أكابر الملوك ممن دون القانات‏.‏

وثالثها‏:‏ قطع الثلث وفيه يكتب إلى الرتبة الثانية بعد الملوك‏.‏

ورابعها‏:‏ قطع العادة وفيه يكتب إلى أصاغر الملوك والولاة غيرهم‏.‏

الثانـي‏:‏ العنوان قد تقدم في مقدمة الكتاب أن الذي كان يكتب عنوانات الكتب السلطانية في الزمن المتقدم هو صاحب ديوان الإنشاء دون غيره أما الآن فإن كاتب كل كتاب صار هـو وقد جرت العادة في عامة الكتب السلطانية أن يكون المكتوب فيها هي ألقاب المكتوب إليه ونعوتـه التـي فـي صـدر المكاتبـة فـي الباطـن ثـم يدعـى للمكتوب إليه في آخر الألقاب الدعوة التي صدر بها الدعاء في الصدر مثل‏:‏ أعز الله أنصاره أو ضاعف الله نعمته وما أشبه ذلك من الأدعيـة التـي تفتتح بها المكاتبات فإن كان الكتاب مفتتحاً بالحمدلة أو بلفظ من فلان كتب في العنوان الألقاب التي في صدر الكتاب بعد ذلك ثم بعد الدعاء يخلي بياضاً قليلاً ثم يذكر تعريف المكتوب إليه مثل صاحب فلانة ونحو ذلك مما تقدم ذكره من التعريفات‏.‏

وتكون كتابة العنوان بنظير قلم الباطن في الدقة والغلظ‏.‏

وتكون أسطره متصلة من أول عرض الدرج إلى آخره وأسطره متلاصقة متتالية‏.‏

الثالـث‏:‏ الطـرة التـي يكتـب فيهـا تعريـف المكتـوب إليـه والعلامـة التـي يكتبهـا المكتـوب عنه والسبب في كتابته‏.‏

وقـد جرت العادة في ذلك أنه يكتب في رأس الدرج في الجانب الأيمن إلى فلان وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا وفي الوسط العلامة التي يعلمها السلطان مثل أخوه أو والده أو اسمه لينظـر عنـد علامـة السلطـان علـى الكتـاب فيعلـم حال الكتاب ويجري الأمر في العلامة على هذا الرسم وتكون كتابتها بقلم الكتاب من ثلث أو رقاع أو غيرهما إلا أن يكون الكتاب بمختصر الطومار في قطع البغدادي فيكون بذلك بقلم الثلث‏.‏

وهذه الطرة تقطع بعد أن يعلم على الكتاب‏.‏

الرابـع‏:‏ البيـاض فـي أعلـى الكتـاب وقـد جـرت العادة في الكتب السلطانية أن العلامة إلى المكتوب إليه وإن كانت أخوه أو والده ترك فيها ثلاثة أوصال بياضاً بما فيه من وصل العنوان ثم تكتب البسملة في رأس الوصل الرابع وإن كانت العلامة إليه الاسم ترك وصلان بياضاً فقط وكتبت البسملة في أول الوصل الثالث ثم يكتب السطر الأول من الكتاب على سمت البسملة ملاصقاً لها ثم يخلى موضع العلامة بياضاً ويكتب السطر الثاني على سمت الأول في أواخر ذلك الوصل على قدر إصبعين من آخره ثم يجعل بين كل سطرين أربعة أصابع مطبوقة إن كان القطع صغيراً وإن كان القطع كبيراً كان فيه قدر ربع ذراع أو نحوه بحسب المناسبة فإذا انتهى إلى آخر الكتاب كتب إن شاء اللـه تعالـى فـي الوسـط علـى بعـد قـدر إصبعيـن مـن السطـر الآخـر‏.‏

ثـم يكتـب كتـب فـي التاريـخ كـذا مـن شهـر كـذا من سنة كذا وكذا ويكون في آخر ذكر الشهر سطر ومـن أول سنـة كـذا إلـى آخـر سطر‏.‏

ثم يكتب المستند على نحو البعد المذكور‏:‏ فإن كان بتلقي كاتب السر خاصة كتب حسب المرسوم الشريف فقط‏.‏

وإن كان بتلقي كاتب السر وكتاب الدست من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف في السطر وتحته بقدر إصبع من دار العـدل الشريف في السطر‏.‏

وإن كان برسالة الدوادار كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته بقدر إصبـع برسالـة الجنـاب العالـي الأميـري الفلانـي الـدوادار الفلانـي بلقـب السلطـان ضاعف الله تعالى نعمته وإن كان من ديوان الخاص كتب حسب المرسوم الشريف في سطر وتحته من ديوان الخاص الشريف وإن كان بخط السلطان بأن كتب على القصة بالخط الشريف كتب حسب الخط الشريف في سطر واحد‏.‏

وإن كان بإشارة النائب الكافل كتب بالإشارة العاليـة الأميريـة الكبيريـة الفلانيـة فـي سطـر وكتـب تحتـه بقـدر إصبـع كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعلاها الله تعالى‏.‏

وإن كان بإشارة أستاد الدار كتب بالإشارة العاليـة الأميريـة الكبيريـة الفلانيـة فـي سطـر ثـم يكتـب تحتـه بقـدر إصبـع أستـاد الـدار العالية أعلاها الله تعالى على أنه قد تقدم في الألقاب أن كتابتهـم أستـاد الـدار هـو عـرف جـرى عليـه اصطلاحهم وأن الصواب فيه إستدار بغير ألف بعد التاء‏.‏

وتكون كتابة المستند ببياض من جانبيه سواء كان سطراً واحداً أو سطرين ثم إذا فرغ مـن كتابـة المستنـد كتـب الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في سطر كامل على بعد قدر إصبعين من المستند ثم يكتـب الحسبلـة علـى قـدر إصبعيـن مـن سطـر الحمدلـة والتصلية‏.‏

وقـد تقـدم فـي الكلـام علـى الخواتـم فـي المقالـة الثالثـة نقـلاً عـن عبـد الرحيـم بـن شيـثٍ أن موضعهـا من ثلث السطر الأخير من أوله إلى حين تنتهي كتابتها‏.‏

الخامـس‏:‏ قـد ذكـر ابـن شيـثٍ فـي معالـم الكتابـة أنـه لا يكتـب فـي حواشـي الكتـب السلطانيـة لـأن فـي ذلـك شحـاً بالـورق وذلـك ممـا لا يليـق بالسلطـان ولا خفـاء فـي استقبـاح ذلـك بـل قـد يستقبـح ذلـك فـي غير السلطان كما سيأتي ذكره في الإخوانيات‏.‏

السـادس‏:‏ العلامـة السلطانيـة علـى المكتـوب فـي بيـت العلامة من البياض السابق ذكره قد ذكر في التعريف أن أكبر من يكتب إليه من الأمراء والمماليك البيت الشريف فترجمته بالخط الشريف ووالده ومن دون ذلك الاسم الشريف أما الغرباء كملوك المسلمين والعربان وأكابر القضاة وأهل الصلاح الأكابر فترجمته بالخط الشريف أخوه ومن دون ذلك الاسم الشريف‏.‏

والـذي استقـر عليـه الحـال آخـراً في زماننا أن لأكابر الأمراء من النواب وغيرهم أخوه لرفعة مكان الأخ على الولد ولمن دونهم والده ولمن دون ذلك الاسم وباقي الحال على ما ذكره وقد سبقت ترجمـة كـل مكتـوب إليـه فـي الكلـام على المكاتبة إليه‏.‏

وأما القانات الكبار فقد تقدم بالكلام على المكاتبة إليهم أنه تكتب لهم طغراة بالألقاب السلطانية فوق البسملة‏.‏

السابع‏:‏ طي الكتب السلطانية قد تقدم في صدر الكلام على المكاتبات نقلاً عن ابن شيث مـن كتـاب الدولـة الأيوبيـة أن كتـب السلطـان يكون طيها في عرض أربعة أصابع وأن مقتضى ذلك أن كتب السلطان بالديار المصرية كانت تطوى على هذه الهيئة كما في كتب أهل المغرب الآن والـذي استقـر عليـه الحـال آخـراً أنهـا يجعـل طيهـا فـي صـورة أنبـوب القنـاة ولا تضغـط في طيها لتكون نبيلة تعظيماً لأمر السلطان وإجلالاً لقدره‏.‏

الثامن‏:‏ ختم الكتاب قد تقدم في الكلام على الخواتم واللواحق في المقالة الثالثة أن الكتب السلطانية كانت تختم بسحاءة ويطبع عليها بطين أحمر يأتي به من سيراف وتختم بخاتم كما تختـم المغاربـة الـآن‏.‏

أما الآن فقد استقر الحال على أن الكتب تلصق بالنشا أو في ما معناه من الكثيـراء ونحوهـا وقـد سـأل الشيـخ جمـال الديـن بـن نباتـة فـي رسالته التي كتبها إلى الشهاب محمود رحمه الله حين بلغـه وقـوع بعـض كتـاب دمشـق فـي حقـه عمـن غيـر طيـن الختـم بالنشـا ولـم أقـف علـى الزمان تغير ذلك ولا من غيره على أني حللت معظم أسؤولة هذه الرسالة في خلـال هـذا الكتاب مفرقة في مواضعها‏.‏

التاسـع‏:‏ أن الكتـب الصـادرة عـن الأبـواب السلطانيـة إن كانت إلى حد من عظماء الملوك كالقانات ببلاد الشرق أو ملوك بلاد الغرب ونحوهم ممن يتعانى البلاغة في الكتب الصادرة عنه كتبت مسجوعة كلها وإن كانت إلى صغار الملوك والحكام كتبت غير مسجوعة وإن كانت إلى أحد من أهل المملكة فإن كانت في أمر بعد وقوعه كالكتابة بالبشارة بوفاء النيل أو جلوس السلطان على التخت لأول مرة أو برئه من المرض أو ولادة ولد له أو البشارة بفتح أو الإعلام بركوب الميدان أو الإنعام بخيل أو نحوها كتبت مسجوعة وإلا كتبت مرسلة غير مسجوعة‏.‏

الطرف الثاني في المكاتبة عن ملوك الديار المصرية على المصطلح المستقر عليه الحال إلى ملوك الكفر المكاتبة إلى ملوك الكفر واعلم أن ملوك الكفر المكاتبين إلى هذه المملكة جميعهم نصارى‏:‏ مـن الـروم والفرنـج والكـرج والحبشة وغيرهم إذ كانوا هم المستولين على أكثر الممالك‏.‏

أما اليهود فإنهم لم يبق لهم مملكة معروفـة بـل هـم تحت الذمة أين كانوا‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏"‏ ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللـه وحبـل مـن النـاس ‏"‏‏.‏

قـال فـي التعريـف وجميع الكتب المكتوبة إلى ملوك الكفر لا يشملها الخط الشريف أصلاً بل يكتب فوق البسملة في الكتاب بخط الكاتب عوض العلامة الشريفة أسطر قصيرة ببياض من الجانبين ما صورته‏:‏ من السلطان الأعظـم الملـك الناصـر مثـلاً العالـم العـادل المجاهـد المرابـط المثاغـر المؤيـد المظفـر المنصور الشاهنشاه فلان الدنيـا والديـن سلطـان الإسلـام والمسلميـن محيـي العـدل فـي العالميـن وارث الملك ملك العرب والعجم والترك ظل الله في أرضه القائم بسنتـه وفرضـه إسكنـدر الزمان مملك أصحاب المنابر والتخوت والتيجان واهب الأقاليم والأمصار مبيد الطغاة والكفار حامي الحرمين والقبلتين جامع كلمة الإيمان ناشر لواء العدل والإحسـان سيـد ملـوك الزمان إمام المتقين قسيم أمير المؤمنين أبي فلان ابن السلطان الشهيد الملك الفلاني الفلان خلد الله سلطانه ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه‏.‏

وأوضح ذلـك فـي التثقيـف فقـال‏:‏ ويكـون فـي الطـرة بعـد وصليـن بياضـاً مـن أول الكتـاب بهامـش جيـد من الجانبين يمنة ويسرة ويكونان على قدر بياضهما سواء تقدير أربعة أصابع فأكثر من كل جانب من الورق العريض وفي قطع العادة دون ذلك وتكون الأسطر متقاربة مـا بينهمـا مـن البياض تقدير إبهام أو أزيد منه بشيء يسير وإذا انتهت الألقاب يترك بعدها وصلاً أبيض ثم يكتب البسملة الشريفة وبعدها رسم المكاتبة للمكتوب إليه‏.‏

الطرف الثالث في المكاتبة إلى من وراء بحر القرم وهو صاحب البلغار والسرب‏.‏

وهي بلاد في نهاية الشمال‏.‏

متاخمة لصاحب السراي وقد ذكر في التعريف المكاتبة إليه في المكاتبة إلى جملة ملوك المسلمين‏.‏

وقال‏:‏ إن صاحبها يظهر الانقياد لصاحب السراي وإنه أرسل رسله تطلب له الألوية من الأبواب السلطانية فجهزت إليه مع ما جرت به العادة من السيف والتشريف والخيل المسرجة الملجمة‏.‏

وذكر أن اسم المكاتبة إليه على ما كتب إذ ذاك‏:‏ أعز الله نصر الجانب الكريم العالي الملكي الأجلي الكبيري العالمي العادلي المجاهدي المؤيدي المرابطي المثاغري الأوحدي سيف الإسلام والمسلمين ناصر الغزاة والمجاهديـن زعيـم الجيـوش مقدم العساكر جمال الملوك والسلاطين ذخر أمير المؤمنين‏.‏

ثم هذا الطرف يشتمل على أربعة مقاصد مشتملة على الجهات الأربع‏:‏ المقصد الأول في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد الشرق وجملة من بها من ملوك النصارى المكاتبين عن هذه المملكة مملكتان الأولى‏:‏ مملكة الكرج من النصارى الملكية‏.‏

قال في التعريف‏:‏ ويقال في المسلمين الكرد وفي النصارى الكرج وقال‏:‏ وموقع هذه البلاد بين بلاد الروم وبين بلاد أرمينية وهي بلاد جليلة ومملكة مفخمة وكأنها متقطعة بين البلادين ولها ملك قائم وبها ملك دائم وأمها مدينة تفليس وسلطان بنت هولاكو بمملكة إيران يحكم عليها ويرالغه تصل إليها إلا أنه لا يطغى بها سيله ولا تجوس خلال ديارها للحرب المضرمة خيله وإنما له بها تومان اتخذه سداداً لثغرها وقياماً لأمرها منزلهم فسيح بواديها أهل حل وترحال وتنقل من حال إلى حال قال‏:‏ وآخر من كان له في هذه البلاد سمعة وأقيلت به للمهابة صرعة الشيخ محمود بن جوبان وكان باسلاً لا يطاق ورجلاً مر المذاق لما جرت الكائنة لأبيه لاذ بالسلطان أزبك قـان ثـم لـم تطـل لـه مـدة ولا انفرجت له حلق شدة وأتاه أجله وما استطاع رده‏.‏

ثـم قـال‏:‏ وعسكـر الكـرج صليبـة ديـن الصليب وأهل البأس والنجدة وهم للعساكر الهولاكوهية عتاد وذخر ولهم بهم وثوق وعليهم اعتماد ولا سيما لأولاد جوبان وبنيه وبقايا مخلفيه لسالف إحسان جوبان إليهم ويد مشكورة كانت له عندهم وكان صديقاً لملكهم برطلمـا يغـرس عنـده الصنائـع ويسترعيـه الودائـع فكـان أخـص خصيص به وأصدق صديق له يدعوه للمهم ويستصرخ به في الملم ويعده رداءاً لعسكره ومزيلاً لمنكره‏.‏

وعقب ذلك بأن قال‏:‏ وبرطلما المذكور عهدي به حي يرزق من أجل ملوك النصرانيـة وأعـرق أنسـاب بنـي المعموديـة وقـد كـان كتـاب الأبـواب السلطانيـة بسبـب كنيسـة المصلبة وأن ترفـع عنهـم الأيـدي المتغلبـة فبـرزت الأوامـر المطاعـة بإعادتهـا عليهـم وكانـت قـد أخذت منهم وهي بظاهر القدس الشريف واتخذت مسجداً وعز هذا على طوائف العلماء والصلحاء وإن لم يعمل هذا سدى قيل‏:‏ إنه كان يحسن لجوبان قصد البلاد ويبذل له عليه الطارف والتلاد‏.‏

وذكـر أن اسـم المكاتبـة إليـه‏:‏ أدام اللـه تعالى بهجة الحضرة العلية حضرة الملك الجليل الهمام الباسل الضرغام السميدع الكرار الغضنفر المتخت المتوج العالم في ملته العادل في رعيته بقية ملوك الأغريقية سلطان الكرج ذخر ملك البحار والخلج حامي حمى الفرسان وارث آبائه في الأسرة والتيجان سياج بلـاد الـروم وإيـران سليـل اليونـان خلاصـة ملـوك السريـان بقيـة أبنـاء التخـوت والتيجان معز النصرانية مؤيد العيسوية مسيح الأبطال المسيحية معظـم البيـت المقـدس بعقـد النيـة عمـاد بنـي المعمودية ظهير الباب بابا رومية مواد المسلمين خالصة أصدقاء المقربين صديق الملوك والسلاطين‏.‏

وهـذا دعـاء أورده فـي التعريف يليق به وهو‏:‏ وحمى ملكه بوده لا بجنده وبوفاء بعهده لا بجيشه ومد بنده وبما عندنا من سجايا الإحسان لا بما يظن أنه من عنده وبما في رأينا الموري لا بما يقدح النار من زنده وربما قيل مصافي المسلمين بدل مواد المسلمين‏.‏

أما في التثقيف فقد ذكر أن في للكرج ملكين أحدهما صاحب تفليس المقدم ذكره وذكر أنه كان اسمه إذ ذاك داود الثاني الحاكم بسخوم وأبخاس وهما مدينتان على جانب بحر القرم من الجانب الجنوبي كما تقدم ذكره في الكلام على المسالك والممالك في الجانب الشمالي وسمي صاحبهـا إذ ذاك ديـادان‏.‏

قال‏:‏ ورسم المكاتبة إلى كل منهما في قطع النصف‏:‏ أطال الله تعالى بقـاء حضرة الملك الجليل المكرم الخطير الباسل الهمام المقدس الروحاني فلان عز الأمة المسيحية كنـز الطائفـة الصليبيـة فخـر ديـن النصرانيـة ملـك الجبـال والكرج والجرجان صديق الملوك والسلاطين‏.‏

وتعريف كل منها ملك الكرج‏.‏

ثـم قـال‏:‏ وقـد ذكـر القاضـي المرحوم شهاب الدين بن فضل الله في المكاتبة المذكورة من التغيرات ما لا حاجة إلى ذكره لأن ما ذكرته هو المستقر في المكاتبة إليه إلى آخر وقتٍ‏.‏

قلت‏:‏ وذلك لأنه في زمن المقر الشهابي بن فضل الله مرعي الجانب بممالأة التتر وانضمامه إلى جوبان كما تقدم الإشارة إليه فكانت المكاتبة إليه إذ ذاك أعلى وأفخم فلما زالت دولة التتر مـن إيـران وحمـدت قسوتهـم انحطـت رتبـة المكاتبـة إلـى ملـك الكـرج عـن هـذه الرتبـة‏.‏

ثـم قـد تقـدم في المسالك والممالك في الكلام على مدينـة تفليـس أنهـا مـن أقليـم أران وأنهـا كانـت قـد فتحهـا المسلمـون‏.‏

ثـم غلـب عليهـا الكـرج وملوكهـا فلـو عبر عن صاحبها بمتملك تفليس كما كان يعبر عن المستولـي علـى سيـس مـن الأرمـن بمتملـك سيـس وعـن المستولـي علـى قبـرس بمتملك قبرس على ما سيأتي ذكره على الأثر إن شاء الله تعالى‏.‏

الثانيـة‏:‏ مملكـة الأرمـن وقاعدتهـا مدينـة سيـس قبـل فتحهـا وقد سبق في الكلام على مدينة سيس عنـد ذكـر مضافـات حلـب فـي الكلـام على الممالك الشامية في المسالك والممالك ذكر حدود هذه البلـاد وبيـان أحوالها وأنها كانت تسمى في زمن الخلفاء بلاد الثغور والعواصم وأنها كانت بأيدي المسلميـن وأهلهـا نصـارى أرمـن وعليهـم جزيـة مقررة يؤدونها إلى الملوك على أن كانت طاعتهم آخراً لبقية الملوك السلاجقة ببلاد الروم والعمال والشحاني على بلادهم من جهة الملك السلجوقي حتى ضعفت تلك الدولة وسكنت شقاشق تلك الصولة وانتدب بعضهم لقتال بعض وصارت الكلمة شورى والرعية فوضى وشوامخ المعاقل مجالاً للتخريب والبلاد المصونة قاصية من الغنم للذيب وطمع رئيس النصارى بهذه البلاد حينئذ فيها واستنسـر بغاثـه واشتـد إنكاثـه ورأى سواماً لا ذائد عنه فساقه ومتاعاً لا حامية له فملأ منه أوساقه فاستولى على هذه البلاد وتملكها وتحيف مواريث بني سلجوق واستهلكها‏.‏

زذكر في مسالك الأبصار أن كبيرهم كان يسمى قليج بن لاون‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ وقـد أخـذ في أخريات الأيام الناصرية يعني محمد بن قلاوون بلاد ما وراء نهر جاهان وأمها آياس وكان قد أخذ بعض ذلك أيام الملك المنصور لاجين واستنيب به أستدمر الكرجـي ثـم أعيـدت إلـى الأرمـن بمواطـأة أستدمـر حيـن قتـل لاجيـن وضعفـت الدولة‏.‏

وذكر أنه قرر علـى الأرمـن لملـوك الديار المصرية قطيعة مقررة بلغت ألف ألف ومائتي ألف درهم من أصناف ثم حط لهم منها ثم صاروا بعد ذلك بين طاعة وعصيـان‏.‏

وذكـر أنـه كـان لملـوك البيـت الهولاكوهي عليهم حكم قاهر وله فيهم أمر نافذ قبل ضعف شوكتهم ولين قسوتهم وخلـو غابهـم مـن قسورتهـم ثـم قـال‏:‏ لو تمكنوا من دمشق لمحوا آثارها وأنسوا أخبارها ثم أشار إلى أن ملكهـا يومئـذ صاهـر صاحـب قبـرس ليتقوى به وأنه مع ذلك أوصى سلطاننا صاحب مصر على إبنـه بوصيـة أشهد عليها أهل مملكته وجعل ذلك وسيلة لبقاء دولته وكتب له تقليد عوضاً عن أبيـه وجهـز إليـه وألبـس التشريـف فلبـس وقبـل الـأرض بـه وخـدم‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ ومن ملك منهم سمـي التكفـور سمة جرت عليهم منذ كانوا وإلى الآن‏.‏

قال‏:‏ وملكهم ملك عريق من أبناء الملوك يزعم أن أصله من البيت القسطنطيني قال‏:‏ وعندي نظر في دعواهم ذلك إذا كان أهل ذلك البيت هم صليبة الروم ومعتقدهم معتقد الملكانية والبيت التكفوري أرمن ومعتقدهم معتقد اليعاقبـة أو مـا يقاربـه وبيـن المعتقديـن بعـد عظيم وبون ناء‏.‏

وقد ذكر في التعريف أن اسمه ليفور بن أوشير وذكر أن رسم المكاتبة إليه صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسـل الهمـام السميـدع الضرغام الغضنفر فلان بن فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بن المعمودية صديق الملوك والسلاطين‏.‏

وهذه أدعية ذكرها في التعريف تناسبه‏:‏ وفقه الله تعالى لطاعة يكنفه ذمامها وبقية مصارع السوء التزامها وتجري له بسلامة في النفس والمال أحكامها‏.‏

آخر‏:‏ ولا عدم من منننا الكرم الذي أجاره والأمن الذي أمن جاره والأمان الذي وسع عليه وجاره والعفو الذي وقاه في الدنيا قبل الآخرة ناراً وقودها الناس والحجارة‏.‏

آخـر‏:‏ أبقـاه اللـه لـولاء يبديـه وفـرض من الخدمة يؤديه دينٍ في ذمته من الوظيفة يقوم به مع طرائف ما يهديه‏.‏

آخر‏:‏ أراه الله ما يستدفع به من مواضي السيوف البلاء إذا نزل والسمهري الذي لا يرويه البحر إذا نهل والسيل الذي لا يقف في طريقه شيء ولا يمشي على مهل‏.‏

آخر‏:‏ صان الله تعالى بمصانعته من أهل ملته كل قبيل وأمن الله بمداراته من خوف جيوشنا المنصورة كل سبيل وصد عنه بصدق صداقته بعث جنودنا الذي لا يرد وأوله بالفرات وآخره بالنيل‏.‏

آخـر‏:‏ ولا زال يتوقـى بطاعتـه بوادر الأسنة وعوادي الخيل موشحة بالأعنة وعيث الجيش حيث لا يبقى إلا أحد الأقسام الثلاثة‏:‏ القتل أو الأسر أو المنة‏.‏

آخـر‏:‏ جنب الله رأيه سواء التعكيس وشر ما يزين لمثله إبليس وأخذ جنائب قلاعه وأول تلك والـذي ذكـره في التثقيف أنه كان اسمه كستندين بن هتيوم وأن رسم المكاتبة إليه على ما كان استقر عليه الحال إلى حيـن الفتـوح فـي سنـة سـت وسبعيـن وسبعمائـة فـي قطـع العـادة‏:‏ صـدرت هـذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعظم المعزز الهمام الباسل فلان بن فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بن المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته تعلمه كذا وكذا وتعريفه متملك سيس قال‏:‏ وكتبت أنا والجماعـة إليـه بهـذه المكاتبة مرات‏.‏

قلت‏:‏ وقد بطلت هذه المكاتبة بفتح سيس حين فتحها قشتمر المنصوري نائب حلب في الدولـة الأشرفيـة شعبـان بـن حسيـن فـي التاريـخ المقـدم ذكـره واستقـرت نيابـة فـي رتبة نيابة طرابلس ومـا فـي معناهـا ثم استقرت تقدمة عسكر في مضافات حلب على ما تقدم ذكره في المسالك والممالك هناك‏.‏

وإنما كان يقال له متملك سيس دون ملك سيس لما تقدم من أنها كانت أولاً بيـد المسلميـن ثـم وثـب عليهـا رئيـس الأرمـن المقدم ذكره فملكها من أيدي المسلمين ولله الحمد في إعادتها إلى يد المسلمين واستقرارها في جملة الممالك الإسلامية‏.‏

المقصد الثاني في المكاتبة إلى ملوك الكفار ببلاد المغرب من جزيرة الأندلس وما والاها مما هو شمالي الأندلس من الأرض الكبيرة قـد تقـدم في الكلام على المسالك والممالك من المقالة الثانية أن المسلمين كانوا قد افتتحوا جزيرة الأندلـس فـي خليفـة أميـر المؤمنيـن عثمـان بـن عفـان رضـي اللـه عنـه وأنهـا أقامـت بأيدي المسلمين إلى رأس الستمائة من الهجرة ولم يبق منها بيد المسلمين إلا غرناطة وما معها من شرق الأندلس عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام وباقي الجزيرة على سعتها بيد أهل الكفر من نصارى الفرنج وإن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك‏:‏ الأول‏:‏ صاحب طليطلة وما معها ولقبه الأذفونش سمة على كل من ملك منهم وعامة المغاربة يسمونه الفنش وله مملكـة عظيمـة وعمالـات متسعـة تشتمـل علـى طليطلـة وقشتالـة وإشيبليـة وبلنسية وقرطاجنة وجيان وجليقية وسائر أعمالها‏.‏

الثاني‏:‏ صاحب أشبونة وما معها وتسمى البرتغال ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربي عرضاً له تشتمل على أشبونة وغرب الأندلس‏.‏

الثالث‏:‏ صاحب برشلونة وأرغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة‏.‏

الرابع‏:‏ صاحب بيرة وهي بين عمالات قشتالة وعمالات برشلونة وقاعدته مدينة ينبلونة ويقال لملكهـا ملـك البشكنـس ووراء هـؤلاء بالـأرض الكبيرة صاحب إفرنسة التي هي أصل مملكة الفرنج كمـا تقـدم فـي الكلـام علـى المسالـك والممالـك وملكها يقال له الريد إفرنس‏.‏

قال في التعريف‏:‏ وهو الملـك الكبيـر المطـاع وإنمـا الأذفونـش هـو صاحـب السطـوة وذكره أشهر في المغرب لقربه منهم وبعد الريد إفرنس‏.‏

والمكاتب منهم ملكان‏:‏ الـأول‏:‏ الأذفونـش المبـدأ بذكـره‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ وبيـده جمهـور الأندلـس وبسيوفـه فنيـت جحاجحها الشمس وهو وارث ملك لذريق ولذريق هذا الذي أشار إليه في التعريف هـو الـذي انتزعهـا المسلمـون من يده حين الفتح في صدر الإسلام‏.‏

قال صاحب التعريف‏:‏ وحدثني رسـول الأذفونـش بتعريـف ترجمـان موثـوق بـه مـن أهـل العدالـة يسمـى صـاح الديـن الترجمـان الناصري إن الأذفونش من ولد هرقل المفتتح منه الشام وإن الكتاب الشريف النبوي الوارد على هرقـل متوارث عندهم مصون يلف بالديباج والأطلس ويدخر أكثر من ادخار الجواهر والأعلاق وهو إلى الآن عنهم لا يخرج ولا يسمح بإخراجه ينظر فيه بعين الإجلال ويكرمونه غاية الكرامة بوصية توارثها منهم كابر عن كابر وخلف عن سلف‏.‏

قـال‏:‏ وكـان الأذفونـش ممـن قـوي طمعـه فـي بلـاد مصـر والشـام فـي أخـرى ليالـي الأيـام الفاطميـة ثـم قال‏:‏ ومكاتباته متواصلة والرسل بيننا وبينه ما تنقطع على سواء مقاصده وخبث سره وعلانيته أهـدى مـرة إلـى السلطـان سيفـاً طويـلاً وثوبـاً بندقيـاً وطارقـة طويلـة دقيقـة تشبـه النعـش وفـي هـذا ما لا يخفى من استفتاح باب الشر والتصريح المعروف بالكناية فكان الجواب أن أرسل إليه حبل أسود وحجر أي أنه كلب إن ربط بالحبل وإلا رمي بالحجر‏.‏

قال في التعريف ورسم المكاتبة إليه أطال الله بقاء الحضرة السامية حضرة الملك الجليل الهمام الأسـد الباسـل الضرغـام الغضنفـر بقية سلف قيصر حامي حماة بني الأصفر الممنع السلوك وارث لذريق وذراري الملـوك فـارس البـر والبحـر ملـك طليطلـة ومـا يليهـا بطـل النصرانيـة عمـاد بـن المعمودية حامل راية المسيحية وارث التيجـان شبيـه مريحنـا المعمـدان محـب المسلميـن صديـق الملوك والسلاطين الأذقنش سرقلان‏.‏

دعاء وصدر يليقان به وكنـاه شـر نفسه وجناه ثمر غرسه ووقاه فعل يوم يجر عليه مثل أمس وأراه مقدار النعمة بالبحر الـذي تمنـع بسـوره وتوقـيٍ بترسـه‏.‏

أصدرناهـا إليـه وجنـد اللـه لا يمنعهـم مانـع ولا يضـر بهـم فـي الله ما هو جامع ولا يبالون أكتائب يخلفونها أم كتباً وجداول تعرض لهم أم بحار لا تقطعها إلا وثباً‏.‏

آخر‏:‏ ووقاه بتوفيقه تلاف المهج وكفاه بأس كل أسدٍ لم يهج وحماه من شر فتنةٍ لا يبل البحر الـذي تحصـن بـه ما يعقده غبارها من الرهج‏.‏

أصدرناها إليه وأسنتنا لا ترد عن النحر وأعنتنا لا تصد بسورٍ ولا ضرب من وراء البحر‏.‏

قلت‏:‏ وينبغي أن تكون في قطع النصف‏.‏

الثاني‏:‏ صاحب برجلونة ووهم في التثقيف فجعله هو الأذفونش المقدم ذكره وقال إنه يلقب أتفونش دون الحاكم‏.‏

ثم قال‏:‏ وهم طائفة الكيتلان ورسم المكاتبة إليه في قطع النصف بقلم الثلـث الكبيـر أدام اللـه تعالـى بهجـة الحضـرة الموقرة الملك الجليل المكرم المبجل الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام الريد أرغون فلان نصير النصرانية فخر الأمـة العيسويـة ذخـر الملـة المسيحيـة حامي الثغور متملك السواحل والبحور عماد المعمودية ظهير بابا رومية ملاذ الفرسان جمال التخوت والتيجان صديق الملوك والسلاطين صاحب برجلونة‏.‏

قال في التعريف‏:‏ أما الريد فرنس فلم يرد له إلا رسول واحد أبرق وأرعد وجاء يطلب بيت المقدس علـى أنـه يفتـح لـه ساحـل قيساريـة أو عسقلـان ويكـون للإسلـام بهمـاً ولـاة مـع ولاتـه والبلاد مناصفة ومساجد المسلمين قائمة وإدارات قومتها دارة على أنه يبذل مائتي ألف دينار تعجـل وتحمـل فـي كـل سنـة نظيـر دخـل نصـف البلـاد التي يتسلمها على معدل ثلاث سنين ويطرف فـي كـل سنـة بغرائب التحف والهدايا وحسن هذا الكتاب من كتبة القبط كانوا صاروا رؤوساً في الدولة بعمائم بيضٍ وسرائر سود وهم أعداء زرق يجرعون الموت الأحمـر وعملـوا علـى تمشية هذا المقصد وإن سرى في البدن هذا السم وتطلب له الدرياق فعز وقالوا‏:‏ هذا مال جليل معجل ثم ماذا عسى أن يكون منهم وهم نقطة في بحر وحصاة في دهناء‏.‏

قال‏:‏ وبلغ هذا أبي رحمه الله فآلى أن يجاهر في هذا ويجاهد بما أمكنه ويدافع بمهما قدر عليه ولولا لاوى السلطان على رأيه إن أصغى إلى أولئك الأفكة وقال لي‏:‏ تقوم معي وتتكلم ولـو خضبـت منـا ثيابنـا بالدم وراسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب فأجاب وأجاد الاستعـداد فلمـا بكرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل حضرت الرسل وكان بعض أولئك الكتبة حاضراً فاستعد لأن يتكلـم وكذلـك استعدينـا نحـن فمـا استتـم كلامهـم حتى غضب السلطان وحمي غضبه وكاد يتضرم عليهم حطبه ويتعجل لهم عطبه وأسكت ذلك المنافق بخزيته وسكتنا نحن اكتفاء بما بلغه السلطان مما ورده بخيبته فصد ذلك الشيطان وكفى الله المؤمنين القتال وردت على راميها النصال وكـان الـذي قالـه السلطـان‏:‏ والكـم أنتـم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح وكانوا جماعة أكراد ملفقة مجمعة وما كان بعد هؤلاء الترك وما كان يشغلنا عنكم إلا قتال التتر نحن اليوم بحمد الله تعالى صلح نحن وإياكم من جنس واحد ما يتخلى بعضه عن بعض وما كنا نريد إلا الابتداء فأما فتحصلوا وتعالوا وإن لم تجوا فنحن نجيكم ولو إننا نخوض في البحر بالخيل والكم صارت لكم ألسنة تذكرون بها القدس والله ما ينال أحد منكم منه ترابة إلا ما تسفيه الرياح عليه وهو مصلوب وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم وردهم أقبح رد ولم يقرأ لهم كتاباً ولا رد عليهم سوى قلت‏:‏ فإن اتفق أن يكتب إلى الريد إفرنس المذكور فتكـون المكاتبـة إليـه مثـل المكاتبـة إلـى الأذفونش أو أجل من ذلك‏.‏

واعلم أن الريـد فرنـس هـو الـذي قصـد الديـار المصريـة بمواطـأة الأذفونـش صاحـب طليطلـة المقـدم ذكـره وملكـوا دميـاط وكانـت الواقعة بينهم في الدول الأيوبية في أيام الصالح أيوب وأخذ الريد فرنس وأمسك وحبس بالدار التي كان ينزلها فخر الدين بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء بالمنصورة ورسم عليه الطواشي صبيح ثم نفس عنه وأطلـق لأمر قرر عليه وقال في ذلك جمال الدين مطروح أبياته المشهورة وهي‏:‏ ‏"‏ سريع ‏"‏ قل للفرنسيس إذا جئته مقال صـدق مـن قـؤول نصـوح أتيت مصراً تبتغي ملكها تحسب أن الزمر يـا بطـل ريـح وكل أصحابك أودعتهم بحسـن تدبيرك بطن الضريح خمسين ألفاً لا ترى منهـم غير قتيل أو أسيرٍ جريـح وفقك الله لأمثالهـا لعل عيسى منكم يستريح آجرك الله على ما جرى أفنيت عباد يسوع المسيح فقل لهم إن أضمروا عودة لأخـذ ثـأر أو لقصـد صحيـح دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيـح والمكاتب بهذا الجانب منهم ملكان‏:‏ الأول‏:‏ صاحب أمحرا ملك ملوك الحبشة ولقبه عندهم حطي بفتح الحاء وكسر الطاء المشددة المهملتيـن سمـة علـى كـل مـن ملـك عليهـم منهـم‏.‏

قد تقدم في المسالك والممالك في المقالة الثانية أن نصراني يعقوبي يحكم على تسعة وتسعين ملكاً منهم سبعة مسلمـون وهـو صاحـب وفـات وصاحب دوارو وصاحب أرابيني وصاحب شرحا وصاحب هدية وصاحب بالي وصاحب دارة وأنه لولا أن معتقد دين النصرانية لطائفة اليعاقبة أنه لا يصح تعمد معمودي إلا باتصال من البطريرك وأن كرسي البطريرك كنيسة الإسكندرية فيحتاج إلى أخذ مطران بعد مطران من عنده لشمخ بأنفه عن المكاتبة لكنه مضطر إلى ذلك‏.‏

قـال فـي التعريـف ورسـم المكاتبة إليه‏:‏ أطال الله بقاء الحضرة العالية الملك الجليل الهمام الضرغام الأسد الغضنفر الخطير الباسل السميدع العالم في ملته العادل فـي مملكتـه المنصـف لرعيتـه المستمع لما يجب في أقضيته عز الملة النصرانية ناصر الملة المسيحية ركن الأمة العيسوية عماد بني المعمودية حافظ البلاد الجنوبية متبع الحواريين والأحبار الربانيين والبطاركة القدسين معظم كنيسة صهيون أوحد ملوك اليعقوبية صديق الملوك والسلاطين ويدعى له دعاء مفخماً يليق به ولا يعلم له‏.‏

وهذا دعاء وصدر يليقان به ذكرهما في التعريف‏:‏ وأظهر فضله على من يدانيه من كل ملك هو بالتاج معتصب ولكف اللجاج بالعدل منتصب ولقطع حجاج كل معاند بالحق معتصر أو للحق مغتصب‏.‏

صدرت هذه المفاوضة إلى حضرته العلية ومن حضرة القدس مسراها ومن أسرة الملك القديم سراها وعلى صفـاء تلـك السريـرة الصافيـة تـرد وإن لـم يكـن بهـا غليـل وإلـى ذلـك الصديـق الصدوق المسيحي تصل وإن لم تكن بعثت إلا من تلقاء الخليل‏.‏

ولم يذكر القطع الذي يكتب إليه فيه‏.‏

أما في التثقيف‏:‏ فإنه ذكر أنه يكتب إليه في القطع الثلث بقلم التوقيعات ما نصه‏:‏ أطـال اللـه بقـاء الملـك الجليـل المكرم الخطير الأسد الضرغام الهمام الباسل فلان بن فلان العالم في ملتـه العـادل فـي مملكته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان نجاشي عصره سند الملة المسيحية عضد دين النصرانية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه صاحب الحبشة‏.‏

قال‏:‏ فإن كانت المكاتبة جواباً صدر الكتاب إليه بما صورته‏:‏ ورد كتاب الملك الجليل ويذكر بقيـة المكاتبـة‏.‏

ثـم قـال‏:‏ وهـذه المكاتبـة هـي التـي استقـر عليهـا الحـال عندمـا كتـب جوابـه في التاسع من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة‏.‏

وهذه نسخة جواب كتاب ورد عن صاحب الحبشة من سلطنة الملك المظفر صاحب اليمن علـى الملـك الظاهر بيبرس رحمه الله بطلب مطران يقيمه لهم البطرك مما كتب به القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله وهي‏:‏ ورد كتاب الملك الجليل الهمام العادل في ملته حطي ملك أمحرا أكبر ملوك الحبشان الحاكم على ما لهم من البلدان نجاشي عصره صديق الملوك والسلاطين سلطان الأمحرا حرس الله نفسه وبنى على الخيـر أسـه فوقفنـا عليـه وفهمنـا مـا تضمنه‏.‏

فأما طلب المطران فلم يحضر من جهة الملك أحد حتى كنا نعرف الغرض المطلوب وإنما كتاب السلطان الملك المظفر صاحب اليمن ورد مضمونه أنه وصل من جهة الملك كتاب وقاصـد وأنه أقام عنده حتى يسير إليه الجواب‏.‏

وأما ما ذكره من كثرة عساكره وأن من جملتها مائـة ألـف فـارس مسلمين فالله تعالى يكثر في عساكر الإسلام‏.‏

وأما وخم بلاده فالآجال مقدرة من الله تعالى ولا يموت أحد إلا بأجله ومن يفرغ أجله مات‏.‏

واعلم أن العادة جرت أنه كلما كتب إليه كتاب من أبواب السلطانية كتب قرينه كتـاب عـن البطريـرك‏.‏

قـال فـي التعريـف‏:‏ ولأوامـر البطريرك عنده ما لشريعته من الحرمة وإذا كتب كتاباً فأتى ذلك الكتاب أول مملكته خرج عميد تلك الأرض فحمل الكتاب على رأس علم ولا يزال يحمله بيده حتى يخرجه من أرضه وأرباب الديانة في تلك الأرض كالقسوس والشمامسة حول مشاة بالأدخنـة فـإذا خرجـوا مـن حـد أرضهـم تلقاهـم مـن يليهـم أبـداً كذلـك في كل أرض بعد أرض حتى يصلوا إلى أمحرا فيخرج صاحبها بنفسه ويفعل مثل ذلك الفعل الأول إلا أن المطران هو الذي يحمل الكتاب لعظمته لا لتأبي الملك‏.‏

ثم لا يتصرف الملك في أمر ولا نهي ولا قليل ولا كثير حتى ينادي للكتاب ويجمع له يوم الأحد في الكنيسة ويقرا الملك واقف ثم لا يجلس مجلسه حتى ينفذ ما أمر به‏.‏

الثاني‏:‏ صاحب دنقلة‏.‏

قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك أن دنقلة هي قاعدة مملكة النوبة وأنها كانت في الأصل يكون ملكها من نصارى النوبة ومعتقدهم معتقد اليعاقبة وأنـه ربمـا غلـب عليها بعض المسلمين من العرب فملكها وقد تقدم ذكر المكاتبة إلى صاحبها إذا كان مسلمـاً أمـا إذا كـان نصرانيـاً فقـد ذكـر فـي التثقيـف أن المكاتبة إليه‏:‏ هذه المكاتبة إلى النائب الجليل المبجـل الموقـر الأسـد الباسـل فلـان مجـد الملـة المسيحيـة كبيـر الطائفـة الصليبيـة غـرس الملوك والسلاطين والدعاء وتعريفه النائب بدنقلة‏.‏

المقصد الرابع في المكاتبة إلى ملوك الكفار بالجانب الشمالي من الروم والفرنجة على اختلاف أجناسهم وجميعهم معتقدهم معتقد الملكانية وجملة ما ذكر من المكاتبات في التعريف والتثقيف اثنتا عشرة مكاتبة‏:‏ الأولى‏:‏ مكاتبة الباب وهو بطريك الملكية القائم عندهم مقام الخليفة والعجب من جعله في التثقيـف بمنزلة القان عند التتار والقان إنما هو بمنزلة ملكهم الأكبر والباب ليس من هذا القبيل بـل إليـه أمـر الديانـة حتـى فـي التحليـل والتحريـم‏.‏

وقـد تقـدم فـي الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البطاركة أنهم كانوا يسمون القسيس ونحوه أباً ويسمون البطريرك أباً فأحبوا أن يأتوا على البطريرك بسمة له تميزه عن غيره من الآباء فاختاروا له لفظ الباب وأنه يقال فيه الباب والبابا ومعنـاه أبـو الآبـاء ثم لما غلب الروم على المملكة وعلت كلمتهم على اليعاقبة خصوا اسم الباب ببطريركهم فصار ذلك علماً عليه ومقره مدينة رومية على ما تقدم من هناك ورسم المكاتبة إليـه علـى مـا ذكـر فـي التثقيـف ضاعـف الله بهجة الحضرة السامية الباب الجليل القديس الروحاني الخاشع العامل بابا رومية عظيم الملة المسيحية قدوة الطائفة العيسويـة مملـك ملـوك النصرانيـة حافـظ الجسـور والخلجـان ملـاذ البطاركـة الأساقفـة والقسـوس والرهبـان تالـي الإنجيـل معـرف طائفة التحريم والتحليل صديق الملوك والسلاطين والدعاء وصدرت هذه المكاتبة‏.‏

قـال فـي التثقيـف‏:‏ هـذا مـا وجدتـه مسطـوراً ولـم يكتـب إليـه شـيء فـي مـدة مباشرتـي ولا أدري فـي أي شيء كان يكتب إليه ولا عرفت تعريفه ولم يتعرض له المقر الشهابي بن فضل الله في التعريـف جملة ورأيت في بعض الدساتير أنه لم يكتب إليه إلا مرة واحدة وأن المكاتبة إليه في الثانية‏:‏ المكاتبة إلى ملك الروم صاحب القسطنطينية‏.‏

قـد تقـدم فـي الكلـام علـى المسالـك والممالـك أنهـا صـارت آخـراً إلـى بنـي الأشكـري فصـار الأشكـري سمـة لهـم ملكـاً بعـد ملـك‏.‏

قال في التعريف‏:‏ وقد كان قبل غلبة الفرنج ملكاً جليلاً يرجع إليه عباد الصليب سائر الملوك ويفتقر إليـه منهـم الغنـي والصعلـوك وكتـب التواريـخ مشحونـة بأخبـاره وذكـر وقائعـه وآثـاره وأول من ألبس هامته الذلة وأصار جمعه على القلة هارون الرشيد حين أغزاه أبوه المهدي إياه فأزال الشمم من أنفه وثنى جامح عطفه فأما غزوات مسلمة بن عبد الملك ويزيد بن معاوية فإنها لم تبلغ فيه حد النكاية ولا أعظمت له الشكاية قال‏:‏ وهذا الملك الآن كان السلطان أزبك قد كاد يبتز تاجه ويعقم نتاجه ويخل من جانب البحر المغلق رتاجه فاحتاج إلى مداراته وبذل له نفائس المال وصحب أيامه على مضض الاحتمال وكانت له عليـه قطيعـة مقـررة وجملـة مـال مقدرة ثم عميت علينا بعده منهم الأخبار وتولى بالدنيا الإدبار‏.‏

ورسـم المكاتبـة إليـه علـى مـا ذكره في التعريف‏:‏ ضاعف الله تعالى بهجة الحضرة العالية المكرمة حضـرة الملـك الجليل الخطير الهمام الأسد الغضنفر الباسل الضرغام المعرق الأصيل الممجد الأثير الأثيـل البلالـاوس الريدأرغـون ضابـط الممالك الرومية جامع البلاد الساحلية وارث القياصرة القدماء محيي طرق الفلاسفة والحكماء العالم بأمور دينه العادل في ممالكه معز النصرانية مؤيد المسيحية أوحد ملوك العيسوية مخول التخوت والتيجـان حامـي البحـار والخلجـان آخـر ملـوك اليونان ملك ملوك السريان عماد بني المعمودية رضي الباب بابا رومية ثقة الأصدقاء صديق المسلمين أسوة الملوك والسلاطين ثم يكتب اسمه هنا ويدعى له ولم يذكر قطع الورق الذي يكتب إليه فيه‏.‏

وهذا دعاء وصدر يلقيان به أوردهما في التعريف‏:‏ وجعل له من السلامة يداً لا تزعزعه من أوطانه ولا تنزعه من سلطانه ولا يتوجب له إلا استقراراً لتيجانه واستمـراراً بملكـه علـى مـا دارت على حصونه مناطق خلجانه ولا برحت ثمار الود تدنو من أفنائه ومواثيق العهد تبوئ له مـا يسـر بـه من إشادة معالم سلفه وشد بناء يونانه أصدرناها وشكره كجاره البحر لا يوقف له على آخر ولا يوصف مثل عقده الفاخر ولا يكاثر إلا قيل‏:‏ أين هذا القيل من هذا الزاجر آخر له‏:‏ ونظم سلكه وحمى بحسن تأتيه ملكه وكفى محبه هلكه وأجرى بوده ركائبه وفلكه ووقاه كذب الكاذب وكف إفكه وأشهد على وده الليل والنهار وما جن كافور هذا كافوره ولا مسك هذا مسكه‏.‏

قلت‏:‏ هذا الدعاء والصدر وإن أورده في التعريف في جملة الأدعية له والصدور فإنه منحط الرتبة عن المكاتبة السابقة اللهم إلا أن يخص هذا بحالة منابذة أو تهديد ونحو ذلك‏.‏

وذكـر فـي التثقيـف أن الـذي استقـر عليـه الحـال فـي المكاتبـة إليـه أنـه يكتـب إليـه فـي قطع النصف ما نصه‏:‏ ضاعف الله تعالى بهجة حضرة الملك الجليل المكرم المبجل الأسد الخطير البطل الباسل الهمام الضرغام فلان العالم في ملته العادل في أهل مملكته عز الأمة المسيحية كبير الطائفة الصليبية جمال بني المعمودية صمصام الملوك اليونانية حسام المملكة الماكصوينة مالـك اليرغليـة والأملاحية صاحب أمصار الروس والعلان معز اعتقاد الكرج والسريان وارث الأسرة والتيجان الحاكم على الثغـور والبحـار والخلجـان الضوقـس الأنجالـوس الكمنيفـوس البالالوغـس صديق الملوك والسلاطين ثم الدعاء‏.‏

صدرت هذه المكاتبة إلى حضرته تشكر موالاته ومن هذه المادة وتوضح لعلمه السعيد‏.‏

ورأيت في بعض الدساتير أنه يختمها بقوله‏:‏ فيحيط بذلك علماً والله تعالى يديم بهجته‏.‏

قـال فـي التثقيف‏:‏ وتعريفه ضابط مملكة الروم وذكر أن المكاتبة هي المتداولة بديوان الإنشاء بين كتابه وأنه هو كتب بها إليه ولم يتعرض لإيراد المكاتبة التي ذكرها في التعريف بل أحال في معرفتها لمن أرادها على النظر فيه‏.‏

الثالثة‏:‏ المكاتبـة إلـى حكـام جنـوة وهـم جماعـة متفاوتـو المراتـب وهـم‏:‏ البودشطـا والكبطـان والمشايـخ ورسـم المكاتبـة إليهـم علـى مـا ذكـر في التثقيف في قطع الثلث‏.‏

صدرت هذه المكاتبة إلـى حضـرة البودشطـا والكبطـان الجليلين المكرمين الموقرين المبجلين الخطيرين فلان وفلان والمشايخ الأكابر المحترمين أصحاب الرأي والمشورة الكمنون بجنوة أمجاد الأمة المسيحيـة أكابـر دين النصرانية أصدقاء الملوك والسلاطين ألهمهم الله تعالـى رشدهـم وقـرن بالخيـر قصدهـم وجعل النصيحة عندهم تتضمن إعلامهم كذا وكذا‏.‏

وتعريفهم الحكام بجنوة‏.‏

قـال فـي التثقيـف‏:‏ والـذي استقر عليه الحال آخراً في مفتتح سنة سبع وستين وسبعمائة إبطال المكاتبة إلى البودشطا والكبطان بحكم أنهما أبطلا واستقرت مكاتبة الدوج مكانهما بما نصه‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى الدوج الجليل المكرم المبجل الموقر الخطير فلـان والمشايـخ والباقـي على ما تقدم ذكره‏.‏

قلـت‏:‏ هكـذا فـي التثقيـف بـدال وواو وجيـم والمعـروف إبـدال الجيـم فـي آخره كافاً على ما سيأتي ذكره في الكلام على صاحب البندقية على الأثر‏.‏

واعلـم أنـه قـد ذكـر فـي التثقيف أنه كان لصاحب جنوة مقدم على الشواني بقبرس وقيل إنه كان بالماغوصة وأنه كتب إليه في رمضان جواباً عما ورد عنه في قطع العادة ما نصه‏:‏ وردت مكاتبـة المحتشـم الجليـل المبجـل الموقـر الأسـد الباسـل فلـان مجـد الملـة المسيحية كبير الطائفة الصليبية غرس الملوك والسلاطين ثم الدعاء‏.‏

تعريفه مقدم الشواني الجنوية بقبرس‏.‏

الرابعة‏:‏ المكاتبة إلى صاحب البندقية‏.‏

قال في التثقيف‏:‏ ورسم المكاتبة إليه على ما أستقر عليه الحال عندما كتب إليه جوابه في شهر رجب سنة سبع وستين وسبعمائة وهو يومئذ مركريـادو فـي قطـع الثلـث‏:‏ وردت مكاتبـة حضرة الدوج الجليل المكرم الخطير الباسل الموقر المفخم مركريادو فخر الملة المسيحية جمال الطائفة الصليبية دوج البندقية والمانسية دوج كرال دين بني المعموديـة صديـق الملـوك والسلاطيـن والدعاء وتعريفه صاحب البندقية ثم ذكر بعد ذلك نقلاً عن خط القاضي ناصر الدين بن النشائي أنه كتب في الجواب إلى دوك البنادقة‏:‏ وردت مطالعة الدوك الجليل المكرم المبجل الموقر البطل الهمام الضرغام الغضنفر الخطير مجد الملة النصرانيـة فخـر الأمة العيسوية عماد بني المعمودية معز باب رومية صديق الملوك والسلاطين دوك البنادقة وديارقـة والروسـا والإصطنبوليـة‏.‏

ثـم قـال ولـم يذكـر تعريفـه ولا قطـع الـورق الذي يكتب إليه فيه ثم نقـل عنـه أيضـاً إلـى المكاتبـة إلـى دوك البندقيـة‏:‏ هـذه المكاتبـة إلـى حضـرة المحتشـم الجليـل المبجـل الموقـر المكرم المفخـم الباسـل الضرغـام فلـان عـز الأمـة المسيحيـة جمـال الطائفـة العيسويـة ذخـر الملـة الصليبية صديق الملوك والسلاطين‏.‏

ثم قال‏:‏ هكذا رأيته من غير ذكر تعريفه ولا القطع الذي يكتب إليه فيه‏.‏

قال‏:‏ وما يبعد أنه غير الأول ولم يزد على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ ومقتضى ما ذكره من جميع ذلك أن الدوك غير الملك نفسه‏.‏

على أن المكاتبة الأولى

والثانية في الجواب متقاربان‏.‏

أما المكاتبة الثالثة فمنحطة عن الأولتين‏.‏

على انه قد تقدم في قلت‏:‏ ومقتضى ما ذكره من جميع ذلك أن الدوك غير الملك نفسه‏.‏

على أن المكاتبة الأولى والثانية في الجواب متقاربان‏.‏

أما المكاتبة الثالثة فمنحطة عن الأولتين‏.‏

على انه قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك عند ذكر البندقية نقلاً عن ابن سعيد أن ملك البنادقة يقال له الدوك بضم الدال المهملة وواو وكاف في الآخر وهذا مما يحتاج إلى تحرير فإن كان الدوك هو الملك فتكون المكاتبة إليه اختلفت باختلاف الحال أو باختلاف غرض الكتاب أو عدم اطلاعهم على حقيقة الأقدار والوقوف مع ما يلقى إليهم من المزاحمة في كل وقت وهو الظاهر‏.‏

الخامسة‏:‏ المكاتبة إلى صاحب سنوب من سواحل بلاد الروم قبل أن تفتح ويستولي عليها التركمان‏.‏

قال في التعريف‏:‏ وهي على ضفة الخليج القسطنطيني وملكها رومي من بيت الملك القديم من أقرباء صاحب القسطنطينية‏.‏

قال‏:‏ ويقال أن أباه أعرق من آبائه في السلطان‏.‏

قال‏:‏ ولكن ليس ملكه بكبير ولا عدده بكثير بينه وبين أمراء الأتراك حروب يكون في أكثرها المغلوب‏.‏

وذكر أن رسم المكاتبة مثل متملك سيس فتكون على ما ذكره في مكاتبة متملك سيس‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل الهمام السميدع الضرغام الغضنفر فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية عماد بن المعمودية صديق الملوك والسلاطين وهذا الدعاء يليق به ذكره في التعريف‏:‏ ثم قال‏:‏ ولم أدر هل يجتمعان لشخص واحد تارة فيكون بهما اثنان تارة وواحد تارة أم لا ثم قال‏:‏ على أنه لو كان الأمر كذلك لكان يتعين أن يذكر مكاتبة صاحب بلغار وحده منفرداً كما ذكر مكاتبة صاحب السرب وحده منفرداً‏.‏

قلت كلا الأمرين محتمل فيجوز أنهما كانا مجتمعين لواحدٍ وأنه كتب تعريفه بالإضافة إلى أحدهما استغناء به عن الآخر أو أنه كتب إلى صاحب السرب بمفرده ولم يحط رتبته في قطع الورق عن رتبة من اجتمعا له ولا يلزم من ذلك أنه كان يكتب لصاحب البلغار بمفرده لاحتمال أنه لم يكتب إليه شيء حينئذ وبالجملة فهذا أمر راجع إلى النقل‏.‏

السابعة‏:‏ المكاتبة إلى ملك رودس‏.‏

قال في التعريف‏:‏ وهي جزيرة تقابل شطوط البلاد الرومية قال‏:‏ وأهلها في البحر حرامية إذا ظفروا بالمسلم أخذوا ماله وأحيوه وباعوه أو استخدموه وإذا ظفروا بالفرنجي أخذوا ماله وقتلوه‏.‏

ورسم المكاتبة إليه مثل متملك سيس إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية وتختصر بعض ألقابه لأنه دونه وحينئذ فيتجه أن تكون المكاتبة إليه‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل البطل الباسل السميدع فلان فخر الملة المسيحية ذخر الأمة النصرانية صديق الملوك والسلاطين أو نحو ذلك‏.‏

على أنه في التعريف لم يذكر في المكاتبة إلى متملك سيس معز بابا رومية فلم يكن ليحتاج أن يقول‏:‏ إلا أنه لا يقال فيه معز بابا رومية‏.‏

وهذا دعاء يليق به ذكره في التعريف وهو‏:‏ قدم الله له الأعذار وكفاه قوامع الإنذار وحذره عاقبة البغي قبل أن ينفع الحذار‏.‏

آخر‏:‏ فك الله من وثاقه كل مأسور وأقال كل غراب له من الرجوع وجناحه مكسور وعصمه بالتوبة مما اقترف لا بالبحر ولو أنه سبعة أبحر وسور مدينته ولو أنه مائة سور‏.‏

الثامنة‏:‏ المكاتبة إلى صاحب جزيرة المصطكلى قال في التعريف‏:‏ وهي جزيرة صغيرة لا تبعد مدى من الإسكندرية وصاحبها صغير لا في مال ولا في رجال وجزيرته ذات قحط لا يطر صاحبها بزرع ولا يدر حالبها بضرع إلا أنها تنبت هذه الشجرة فتحمل منها وتجلب وترسى السفن عليها بسببها وتطلب‏.‏

قال‏:‏ وفي ملكها خدمة لرسلنا إذا ركبوا ثبج البحر وتجهيز لهم إلى حيث أرادوا وتنجيز لهم إذا توجهوا وإذا عادوا‏.‏

ورسم المكاتبة إليه على ما ذكره في التعريف كالمكاتبة إلى صاحب جزيرة رودس المتقدمة الذكر آنفاً وهي‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل إلى آخر ما تقدم‏.‏

وهذه أدعية تليق به ذكرها في التعريف دعاء من ذلك‏:‏ وفقه الله لطاعته وأنهضه من الولاء بقدر طاقته‏.‏

آخر‏:‏ أطاب الله قلبه وأدام إلينا قربه‏.‏

آخر‏:‏ لا زال إلى الطاعة يبادر وعلى الخدمة أنهض قادر ومكانه تزم إليه ركائب السفن بكل وارد وصادر‏.‏

التاسعة‏:‏ المكاتبة إلى متملك قبرس‏.‏

و ‏"‏ إنما قيل له متملك قبرس لأنها كانت قد فتحها المسلمون ثم تغلب عليها النصارى وملكوها فقيل لمن غلب عليها متملك ولم يقل له ملك وذكر في التثقيف عن القاضي ناصر الدين بن النشائي أن المكاتبة إليه مثل متملك سيس ولم يزد على ذلك وحينئذ فتكون المكاتبة إليه مثل ما استقر عليه الحال في المكاتبة إلى متملك سيس في قطع العادة‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى حضرة الملك الجليل المكرم المبجل المعزز الهمام الباسل فلان عز دين النصرانية كبير الطائفة الصليبية عماد بني المعمودية صديق الملوك والسلاطين أدام الله نعمته وحرس مهجته وتعريفه متملك قبرس‏.‏

قال صاحب التثقيف‏:‏ ولم أقف على المكاتبة إليه ابتداء ولا جواباً سوى ذلك إلا أنه كتب إليه عن الأمير الجاي اليوسفي عند وقوع الصلح في سنة اثنتين وستين وسبعمائة يعني عندما كان الجاي أتابك العساكر المنصورة‏.‏

العاشرة‏:‏ المكاتبة إلى ملك مونفراد‏.‏

ذكر في التثقيف أنه كان بها ابن ملك إصطنبول وأنه كتب إليه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة‏:‏ أصدرناها إلى حضرة الملك الجليل المكرم البطل الهمام الأسد الضرغام فلان مجد النصرانية فخر العيسوية عماد بني المعمودية جمال الطائفتين الرومية والفرنجية ملك مونفراد وارث التاج معز الباب أدام الله بقاءه وحفظه ووقاه وأورثه من أبيه تخته وتاجه وولاه تتضمن إعلامه كذا وكذا‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا ما وجدته مسطوراً في رسم المكاتبة المذكورة ولم يكتب إليه شيء في مدة مباشرتي‏.‏

ولم أدر ما تعرفه ولا في أي قطع يكتب إليه قال‏:‏ والذي يظهر أنه يكتب إليه في قطع العادة وأن يكون تعريفه ملك مونفراد‏.‏

الحادية عشرة‏:‏ المكاتبة إلى صاحب نابل‏.‏

وقد ذكر في التثقيف أنه كان اسم صاحبتها جوانا وأنه كتب إليها في أواخر سنة ثلاثة وسبعين وسبعمائة ما صورته‏:‏ صدرت هذه المكاتبة إلى الملكة الجليلة المكرمة المبجلة الموقرة المفخمة المعززة فلانة العالمة في ملتها العادلة في مملكتها كبيرة دين النصرانية بصيرة الأمة العيسوية حامية الثغور صديقة الملوك والسلاطين‏.‏

ثم الدعاء تتضمن إعلامها وتعريفها صاحبة نابل ولم يذكر قطع الورق لمكاتبتها ولا خفاء أنه يكتب إليها في قطع العادة لصغر مقامها‏.‏

قلت‏:‏ فإن ولي مملكتها رجل فينبغي أن يكتب إليه بهذه المكاتبة على التذكير أو أعلى من ذلك لميزة الرجال على النساء‏.‏

وهؤلاء جملة من تعرض إلى مكاتبته في التعريف والتثقيف من ملوك الكفر فإن اتفقت المكاتبة إلى أحد سواهم فليقس على من هو مثله منهم‏.‏

ثم قد ذكر في التثقيف القنصل بكفا وذكر أنها جارية في حكم جنوة وأنه لم يكتب إليه شيء عن المواقف الشريفة ولا خفاء في ذلك فإن مقام القنصل دون أن يكاتب عن أبواب السلطانية‏.‏